آداب القضاء له لا أعلم بين العلماء ممن سلف خلافا ان أحق الناس ان يقضى بين المسلمين من بان فضله وصدقه وعلمه وورعه قارئا لكتاب الله عالما بأكثر أحكامه عالما بسنن رسول الله حافظا لأكثرها وكذا أقوال الصحابة عالما بالوفاق والخلاف وأقوال فقهاء التابعين يعرف الصحيح من السقيم يتبع في النوازل الكتاب فإن لم يجد فالسنن فإن لم يجد عمل بما اتفق عليه الصحابة فان اختلفوا فما وجده أشبه بالقرآن ثم بالسنة ثم بفتوى أكابر الصحابة عمل به ويكون كثير المذاكرة مع أهل العلم والمشاورة لهم مع فضل وورع ويكون حافظا للسانه وبطنه وفرجه فهما بكلام الخصوم ثم لا بد ان يكون عاقلا مائلا عن الهوى ثم قال وهذا وان كنا نعلم أنه ليس على وجه الأرض أحد يجمع هذه الصفات ولكن يجب ان يطلب من أهل كل زمان أكملهم وأفضلهم وقال المهلب لا يكفي في استحباب القضاء ان يرى نفسه أهلا لذلك بل إن يراه الناس أهلا لذلك وقال ابن حبيب عن مالك لا بد ان يكون القاضي عالما عاقلا قال ابن حبيب فإن لم يكن علم فعقل وورع لأنه بالورع يقف وبالعقل يسأل وهو إذا طلب العلم وجده وإذا طلب العقل لم يجده قال ابن العربي واتفقوا على أنه لا يشترط ان يكون غنيا والأصل قوله تعالى ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم الآية قال والقاضي لا يكون في حكم الشرع الا غنيا لان غناه في بيت المال فإذا منع من بيت المال واحتاج كان تولية من يكون غنيا أولى من تولية من يكون فقيرا لأنه يصير في مظنة من يتعرض بتناول ما لا يجوز تناوله (قلت) وهذا قاله بالنسبة إلى الزمان الذي كان فيه ولم يدرك زمانه هذا الذي صار من يطلب القضاء فيه يصرح بأن سبب طلبه الاحتياج إلى ما يقوم بأوده مع العلم بأنه لا يحصل له شئ من بيت المال واتفقوا على اشتراط الذكورية في القاضي الا عن الحنفية واستثنوا الحدود وأطلق ابن جرير وحجة الجمهور الحديث الصحيح ما أفلح قوم ولوا أمورهم امرأة وقد تقدم ولان القاضي يحتاج إلى كمال الرأي ورأي المرأة ناقص ولا سيما في محافل الرجال (قوله وقال الحسن) هو البصري (قوله أخذ الله على الحكام ان لا يتبعوا الهوى ولا يخشوا الناس ولا يشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ثم قرأ يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض إلى يوم الحساب وقرأ انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور إلى قوله ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون) قلت فأراد من آية يا داود قوله ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله وأراد من آية المائدة بقية ما ذكر وأطلق على هذه المناهي أمرا إشارة إلى أن النهي عن الشئ أمر بضده ففي النهي عن الهوى أمر بالحكم بالحق وفي النهي عن خشية الناس أمر بخشية الله ومن لازم خشية الله الحكم بالحق وفي النهي عن بيع آياته الامر باتباع ما دلت عليه وانما وصف الثمن بالقلة إشارة إلى أنه وصف لازم له بالنسبة للعوض فإنه أغلى من جميع ما حوته الدنيا (قوله بما استحفظوا استودعوا من كتاب الله الآية) ثبت هذا للمستملي وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى بما استحفظوا من كتاب الله أي بما استودعوا استحفظته كذا استودعته إياه (قوله وقرأ) أي الحسن البصري المذكور (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إلى آخرها) رويناه موصولا في حلية الأولياء لأبي نعيم من رواية محمد بن إبراهيم الحافظ المعروف بمربع بموحدة ومهملة وزن محمد قال حدثنا سعيد هو ابن سليمان الواسطي حدثنا أبو العوام هو عمران القطان عن قتادة عن الحسن وهو بن أبي الحسن البصري فذكره ومعنى أخذ الله على الحكام عهد إليهم
(١٢٩)