الخمر لأنها تركت حتى اختمرت واختمارها تغير رائحتها وقيل سميت بذلك لمخامرتها العقل نعم جزم ابن سيده في المحكم بأن الخمر حقيقة نما هي للعنب وغيرها من المسكرات يسمى خمرا مجازا وقال صاحب الفائق في حديث إياكم والغبيراء فإنها خمر العالم هي نبيذ الحبشة متخذة من الذرة سميت الغبيراء لما فيها من الغبرة وقوله خمر العالم أي هي مثل خمر العالم لا فرق بينها وبينها (قلت) وليس تأويله هذا بأولى من تأويل من قال أراد أنها معظم خمر العالم وقال صاحب الهداية من الحنفية الخمر عندنا ما اعتصر من ماء العنب إذا أشتد وهو المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم قال وقيل هو اسم لكل مسكر لقوله صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وقوله الخمر من هاتين الشجرتين ولأنه من مخامرة العقل وذلك موجود في كل مسكر قال ولنا إطباق أهل اللغة على تخصيص الخمر بالعنب ولهذا اشتهر استعمالها فيه ولان تحريم الخمر قطعي وتحريم ما عدا المتخذ من العنب ظني قال وإنما سمي الخمر خمرا لتخمره لا لمخامرة العقل قال ولا ينافي ذلك كون الاسم خاصا فيه كما في النجم فإنه مشتق من الظهور ثم هو خاص بالثريا اه والجواب عن الحجة الأولى ثبوت النقل عن بعض أهل اللغة بأن غير المتخذ من العنب يسمى خمرا وقال الخطابي زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب فيقال لهم أن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمرا عرب فصحاء فلو لم يكن هذا الاسم صحيحا لما أطلقوه وقال ابن عبد البر قال الكوفيون أن الخمر من العنب لقوله تعالى أعصر خمرا قال فدل على أن الخمر هو ما يعتصر لا ما ينتبذ قال ولا دليل فيه على الحصر وقال أهل المدينة وسائر الحجازيين وأهل الحديث كلهم كل مسكر خمر وحكمه حكم ما أتخذ من العنب ومن الحجة لهم أن القرآن لما نزل بتحريم الخمر فهم الصحابة وهم أهل اللسان أن كل شئ يسمى خمرا يدخل في النهي فأراقوا المتخذ من التمر والرطب ولم يخصوا ذلك بالمتخذ من العنب وعلى تقدير التسليم فإذا ثبت تسمية كل مسكر خمرا من الشرع كان حقيقة شرعية وهي مقدمة على الحقيقة اللغوية وعن الثانية ما تقدم من أن اختلاف مشتركين في الحكم في الغلظ لا يلزم منه افتراقهما في التسمية كالزنا مثلا فإنه يصدق على من وطئ أجنبية وعلى من وطئ امرأة جاره والثاني أغلظ من الأول وعلى من وطئ محرما له وهو أغلظ واسم الزنا مع ذلك شامل الثلاثة وأيضا فالاحكام الفرعية لا يشترط فيها الأدلة القطعية فلا يلزم من القطع بتحريم المتخذ من العنب وعدم القطع بتحريم المتخذ من غيره أن لا يكون حراما بل يحكم بتحريمه إذا ثبت بطريق ظني تحريمه وكذا تسميته خمرا والله أعلم وعن الثالثة ثبوت النقل عن أعلم الناس بلسان العرب بما نفاه هو وكيف يستجيز أن يقول لا لمخامرة العقل مع قول عمر بمحضر الصحابة الخمر ما خامر العقل وكأن مستنده ما ادعاه من اتفاق أهل اللغة فيحمل قول عمر على المجاز لكن اختلف قول أهل اللغة في سبب تسمية الخمر خمرا فقال أبو بكر بن الأنباري سميت الخمر خمرا لأنها تخامر العقل أي تخالطه قال ومنه قولهم خامره الداء أي خالطه وقيل لأنها تخمر العقل أي تستره ومنه الحديث الآتي قريبا خمروا آنيتكم ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها وهذا أخص من التفسير الأول لأنه لا يلزم من المخالطة التغطية وقيل سميت خمرا لأنها تخمر حتى تدرك كما يقال خمرت العجين فتخمر أي تركته حتى أدرك ومنه خمرت الرأي أي تركته حتى ظهر وتحرر وقيل سميت خمرا لأنها تغطي حتى تغلي ومنه حديث المختار بن فلفل قلت لأنس الخمر من
(٤١)