أبو عبيد لورى هوان يأكل القيح جوفه وحكى ابن التين فيه الفتح بوزن القرى وهو قول الفراء وقال ثعلب هو بالسكون المصدر وبالفتح الاسم وقيل معنى قوله حتى يريه أي يصيب رئته وتعقب بان الرئة مهموزة فإذا بنيت منه فعلا قلت رآه يراه فهو مرئي انتهى ولا يلزم من كون أصلها مهموزا ان لا تستعمل مسهلة ويقرب ذلك أن الرئة إذا امتلأت قيحا يحصل الهلاك واما قوله جوف أحدكم فقال ابن أبي جمرة يحتمل ظاهره وأن يكون المراد جوفه كله وما فيه من القلب وغيره ويحتمل ان يريد به القلب خاصة وهو الاظهر لان أهل الطب يزعمون أن القيح إذا وصل إلى القلب شئ منه وإن كان يسيرا فان صاحبه يموت لا محالة بخلاف غير القلب مما في الجوف من الكبد والرئة (قلت) ويقوى الاحتمال الأول رواية عوف بن مالك لان يمتلئ جوف أحدكم من عانته إلى لهاته وتظهر مناسبته للثاني لان مقابله وهو الشعر محله القلب لأنه ينشأ عن الفكر وأشار ابن أبي جمرة إلى عدم الفرق في امتلاء الجوف من الشعر بين من ينشئه أو يتعانى حفظه من شعر غيره وهو ظاهر وقوله قيحا بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها مهملة المدة لا يخالطها دم وقوله شعرا ظاهره العموم في كل شعر لكنه مخصوص بما لم يكن مدحا حقا كمدح الله ورسوله وما اشتمل على الذكر والزهد وسائر المواعظ مما لا افراط فيه ويؤيده حديث عمرو بن الشريد عن أبيه عند مسلم كما أشرت إليه قريبا قال ابن بطال ذكر بعضهم ان معنى قوله خير له من أن يمتلئ شعرا يعنى الشعر الذي هجى به النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو عبيد والذي عندي في هذا الحديث غير هذا للقول لان الذي هجى به النبي صلى الله عليه وسلم لو كان شطر بيت لكان كفرا فكأنه إذا حمل وجه الحديث على امتلاء القلب منه انه قدر خص في القليل منه ولكن وجهه عندي ان يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله فيكون الغلب عليه فاما إذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه فليس جوفه ممتلئا من الشعر (قلت) واخرج أبو عبيد التأويل المذكور من رواية مجالد عن الشعبي مرسلا فذكر الحديث وقال في آخره يعنى من الشعر الذي هجى به النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع لنا ذلك موصولا من وجهين آخرين فعند أبى يعلى من حديث جابر في الحديث المذكور قيحا أو دما خير له من أن يمتلئ شعرا هجيت به وفى سنده راو لا يعرف وأخرجه الطحاوي وابن عدي من رواية ابن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة مثل حديث الباب قال فقالت عائشة لم يحفظ انما قال من أن يمتلئ شعرا هجيت به وابن الكلبي واهي الحديث وأبو صالح شيخه ما هو الذي يقال له السمان المتفق على تخريج حديثه في الصحيح عن أبي هريرة بل هذا آخر ضعيف يقال له باذان فلم تثبت هذه الزيادة ويؤيد تأويل أبى عبيد ما أخرجه البغوي في معجم الصحابة والحسن بن سفيان في مسنده والطبراني في الأوسط من حديث مالك بن عمير السلمي انه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح وغيرها وكان شاعرا فقال يا رسول الله افتني في الشعر فذكر الحديث وزاد قلت يا رسول الله امسح على رأسي قال فوضع يده على رأسي فما قلت بيت شعر بعد وفى رواية الحسن بن سفيان بعد قوله على رأسي ثم أمرها على كبدي وبطني وزاد البغوي في روايته فان رابك منه شئ فاشبب بامرأتك وامدح راحلتك فلو كان المراد الامتلاء من الشعر لما اذن له في شئ منه بل دلت الزيادة الأخيرة على الاذن في المباح منه وذكر السهيلي في غزوة ودان عن جامع بن وهب أنه روى فيه ان عائشة رضي الله عنها تأولت هذا
(٤٥٤)