عياض إذا اعتزل كلامه لم تقبل شهادته عليه عندنا ولو سلم عليه يعني وهذا يؤيد قول ابن القاسم (قلت) ويمكن الفرق بأن الشهادة يتوقى فيها وترك المكالمة يشعر بأن في باطنه عليه شيئا فلا تقبل شهادته عليه وأما زوال الهجرة بالسلام عليه بعد تركه ذلك في الثلاث فليس بممتنع واستدل للجمهور بما رواه الطبراني من طريق زيد بن وهب عن ابن مسعود في أثناء حديث موقوف وفيه ورجوعه أن يأتي فيسلم عليه واستدل بقوله أخاه على أن الحكم يختص بالمؤمنين وقال النووي لا حجة في قوله لا يحل لمسلم لمن يقول الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة لان التقييد بالمسلم لكونه الذي يقبل خطاب الشرع وينتفع به وأما التقييد بالاخوة فدال على أن للمسلم أن يهجر الكافر من غير تقييد واستدل بهذه الأحاديث على أن من أعرض عن أخيه المسلم وامتنع من مكالمته والسلام عليه أثم بذلك لان نفي الحل يستلزم التحريم ومرتكب الحرام آثم قال ابن عبد البر أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة فإن كان كذلك جاز ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية وقد استشكل على هذا ما صدر من عائشة في حق ابن الزبير قال ابن التين إنما ينعقد النذر إذا كان في طاعة كلله علي أن أعتق أو أن أصلي وأما إذا كان في حرام أو مكروه أو مباح فلا نذر وترك الكلام يفضي إلى التهاجر وهو حرام أو مكروه وأجاب الطبري بأن المحرم إنما هو ترك السلام فقط وأن الذي صدر من عائشة ليس فيه أنها امتنعت من السلام علي ابن الزبير ولا من رد السلام عليه لما بدأها بالسلام وأطال في تقرير ذلك وجعله نظير من كانا في بلدين لا يجتمعان ولا يكلم أحدهما الآخر وليسا مع ذلك متهاجرين قال وكانت عائشة لا تأذن لاحد من الرجال أن يدخل عليها إلا بإذن ومن دخل كان بينه وبينها حجاب إلا إن كان ذا محرم منها ومع ذلك لا يدخل عليها حجابها إلا بإذنها فكانت في تلك المدة منعت ابن الزبير من الدخول عليها كذا قال ولا يخفى ضعف المأخذ الذي سلكه من أوجه لا فائدة للإطالة بها والصواب ما أجاب به غيره أن عائشة رأت أن ابن الزبير أرتكب بما قال أمرا عظيما وهو قوله لأحجرن عليها فإن فيه تنقيصا لقدرها ونسبة لها إلى ارتكاب ما لا يجوز من التبذير الموجب لمنعها من التصرف فيما رزقها الله تعالى مع ما انضاف إلى ذلك من كونها أم المؤمنين وخالته أخت أمه ولم يكن أحد عندها في منزلته كما تقدم التصريح به في أوائل مناقب قريش فكأنها رأت أن في ذلك الذي وقع منه نوع عقوق والشخص يستعظم ممن يلوذ به ما لا يستعظمه من الغريب فرأت أن مجازاته على ذلك بترك مكالمته كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه عقوبة لهم لتخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر ولم يمنع من كلام من تخلف عنها من المنافقين مؤاخذة الثلاثة لعظيم منزلتهم وازدراء بالمنافقين لحقارتهم فعلى هذا يحمل ما صدر من عائشة وقد ذكر الخطابي أن هجر الوالد ولده والزوج زوجته ونحو ذلك لا يتضيق بالثلاث واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهرا وكذلك ما صدر من كثير من السلف في استجازتهم ترك مكالمة بعضهم بعضا مع علمهم بالنهي عن المهاجرة ولا يخفى أن هنا مقامين أعلى وأدنى فالأعلى اجتناب الاعراض جملة فيبذل السلام والكلام والمواددة بكل طريق والأدنى الاقتصار على السلام دون غيره والوعيد الشديد إنما هو لمن يترك المقام الأدنى وأما الاعلى فمن تركه من الأجانب فلا يلحقه اللوم بخلاف الأقارب
(٤١٤)