في المصلحة الدنيوية كان في المصلحة الدينية أولى وقد استشعر القاضي حسين هذا فقال فإن قيل قد يترك الواجب لغير الواجب كترك الانصات للخطبة بالتشاغل بركعتي التحية وكترك القيام في الصلاة لسجود التلاوة وكشف العورة للمداواة مثلا وأجاب عن الأولين ولم يجب عن الثالث وأجاب النووي بأن كشف العورة لا يجوز لكل مداواة فلا يتم المراد وقوى أبو شامة الايراد بأنهم جوزوا الغاسل الميت أن يحلق عانة الميت ولا يتأتى ذلك للغاسل الا بالنظر واللمس وهما حرامان وقد أجيز لأمر مستحب * الرابع احتج أبو حامد وأتباعه كالماوردي بأنه قطع عضو لا يستخلف من الجسد تعبدا فيكون واجبا كقطع اليد في السرقة وتعقب بأن قطع اليد إنما أبيح في مقابلة جرم عظيم فلم يتم القياس * الخامس قال الماوردي في الختان إدخال ألم عظيم على النفس وهو لا يشرع إلا في إحدى ثلاث خصال لمصلحة أو عقوبة أو وجوب وقد انتفى الأولان فثبت الثالث وتعقبه أبو شامة بأن في الختان عدة مصالح كمزيد الطهارة والنظافة فإن القلفة من المستقذرات عند الحرب وقد كثر ذم الأقلف في أشعارهم وكان للختان عندهم قدر وله وليمة خاصة به وأقر الاسلام ذلك * السادس قال الخطابي محتجا بأن الختان واجب بأنه من شعار الدين وبه يعرف المسلم من الكافر حتى لو وجد مختون بين جماعة قتلى غير مختونين صلى عليه ودفن في مقابر المسلمين وتعقبه أبو شامة بأن شعار الدين ليست كلها واجبة وما ادعاه في المقتول مردود لان اليهود وكثيرا من النصارى يختنون فليقيد ما ذكر بالقرينة (قلت) قد بطل دليله * السابع قال البيهقي أحسن الحجج أن يحتج بحديث أبي هريرة الذي في الصحيحين مرفوعا اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم وقد قال الله تعالى ثم أوحينا إليك أن أتبع ملة إبراهيم وصح عن ابن عباس أن الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فأتمهن هي خصال الفطرة ومنهن الختان والابتلاء غالبا إنما يقع بما يكون واجبا وتعقب بأنه لا يلزم ما ذكر إلا إن كان إبراهيم عليه السلام فعله على سبيل الوجوب فإنه من الجائز أن يكون فعله على سبيل الندب فيحصل امتثال الامر باتباعه على وفق ما فعل وقد قال الله تعالى في حق نبيه محمد واتبعوه لعلكم تهتدون وقد تقرر في الأصول أن أفعاله بمجردها لا تدل على الوجوب وأيضا فباقي الكلمات العشر ليست واجبة وقال الماوردي إن إبراهيم عليه السلام لا يفعل ذلك في مثل سنه إلا عن أمر من الله اه وما قاله بحثا قد جاء منقولا فأخرج أبو الشيخ في العقيقة من طريق موسى بن علي بن رباح عن أبيه أن إبراهيم عليه السلام أمر أن يختتن وهو حينئذ ابن ثمانين سنة فجعل واختتن بالقدوم فاشتد عليه الوجع فدعا ربه فأوحى الله إليه إنك عجلت قبل أن نأمرك بآلته قال يا رب كرهت أن أؤخر أمرك قال الماوردي القدوم جاء مخففا ومشددا وهو الفأس الذي اختتن به وذهب غيره إلى أن المراد به مكان يسمى القدوم وقال أبو عبيد الهروي في الغريبين يقال هو كان مقيله وقيل اسم قرية بالشام وقال أبو شامة هو موضع بالقرب من القرية التي فيها قبره وقيل يقرب حلب وجزم غير واحد أن الآلة بالتخفيف وصرح ابن السكيت بأنه لا يشدد وأثبت بعضهم الوجهين في كل منهما وقد تقدم بعض هذا في شرح الحديث المذكور في ذكر إبراهيم عليه السلام من أحاديث الأنبياء ووقع عند أبي الشيخ من طريق أخرى أن إبراهيم لما اختتن كان ابن مائة وعشرين سنة وأنه عاش بعد ذلك إلى أن أكمل مائتي سنة والأول أشهر وهو أنه اختتن وهو ابن ثمانين وعاش بعدها أربعين والغرض أن الاستدلال بذلك متوقف كما تقدم على
(٢٨٨)