(قوله فرطن بالحبشية) في رواية يونس فما رآه الحرث في ذلك حتى غضب أبو هريرة حتى رطن بالحبشية فقال للحرث أتدري ماذا قلت قال لا قال أني قلت أبيت (قوله فما رأيته) في رواية الكشميهني فما رأيناه (نسي حديثا غيره) في رواية يونس قال أبو سلمة ولعمري لقد كان يحدثنا به فما أدري أنسي أبو هريرة أم نسخ أحد القولين للآخر وهذا الذي قاله أبو سلمة ظاهر في أنه كان يعتقد أن بين الحديثين تمام التعارض وقد تقدم وجه الجمع بينهما في باب الجذام وحاصله أن قوله لا عدوى نهى عن اعتقادها وقوله لا يورد سبب النهي عن الايراد خشية الوقوع في اعتقاد العدوي أو خشية تأثير الأوهام كما تقدم نظيره في حديث فر من المجذوم لان الذي لا يعتقد أن الجذام يعدي يجد في نفسه نفرة حتى لو أكرهها على القرب منه لتألمت بذلك فالأولى بالعاقل أن لا يتعرض لمثل ذلك بل يباعد أسباب الآلام ويجانب طرق الأوهام والله أعلم قال ابن التين لعل أبا هريرة كان يسمع هذا الحديث قبل أن يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم حديث من بسط رداءه ثم ضمه إليه لم ينس شيئا سمعه من مقالتي وقد قيل في الحديث المذكور إن المزاد أنه لا ينسى تلك المقالة التي قالها ذلك اليوم لا أنه ينتفي عنه النسيان أصلا وقيل كان الحديث الثاني ناسخا للأول فسكت عن المنسوخ وقيل معنى قوله لا عدوى النهي عن الاعتداء ولعل بعض من أجلب عليه إبلا جرباء أراد تضمينه فاحتج عليه في إسقاط الضمان بأنه إنما أصابها ما قدر عليها وما لم تكن تنجو منه لان العجماء جبار ويحتمل أن يكون قال هذا على ظنه ثم تبين له خلاف ذلك انتهى فأما دعوى نسيان أبي هريرة للحديث فهو بحسب ما ظن أبو سلمة وقد بينت ذلك رواية يونس التي أشرت إليها وأما دعوى النسخ فمردودة لان النسخ لا يصار إليه بالاحتمال ولا سيما مع إمكان الجمع وأما الاحتمال الثالث فبعيد من مساق الحديث والذي بعده أبعد منه ويحتمل أيضا أنهما لما كانا خبرين متغايرين عن حكمين مختلفين لا ملازمة بينهما جاز عنده أن يحدث بأحدهما ويسكت عن الآخر حسبما تدعو إليه الحاجة قاله القرطبي في المفهم قال ويحتمل أن يكون خاف اعتقاد جاهل يظنهما متناقضين فسكت عن أحدهما وكان إذا أمن ذلك حدث بهما جميعا قال القرطبي وفي جواب النبي صلى الله عليه وسلم للاعرابي جواز مشافهة من وقعت له شبهة في اعتقاده بذكر البرهان العقلي إذا كان السائل أهلا لفهمه وأما من كان قاصرا فيخاطب بما يحتمله عقله من الاقناعيات قال وهذه الشبهة التي وقعت للاعرابي هي التي وقعت للطبائعيين أولا وللمعتزلة ثانيا فقال الطبائعيون بتأثير الأشياء بعضها في بعض وإيجادها إياها وسموا المؤثر طبيعة وقال المعتزلة بنحو ذلك في الحيوانات والمتولدات وأن قدرهم مؤثرة فيها بالايجاد وأنهم خالقون لأفعالهم مستقلون باختراعها واستند الطائفتان إلى المشاهدة الحسية ونسبوا من أنكر ذلك إلى إنكار البديهة وغلط من قال ذلك منهم غلطا فاحشا لالتباس إدراك الحس بادراك العقل فإن المشاهد إنما هو تأثير شئ عند شئ آخر وهذا حظ الحس فإما تأثيره فهو فيه حظ العقل فالحس أدرك وجود شئ عند وجود شئ وارتفاعه عند ارتفاعه أما إيجاده به فليس للحس فيه مدخل فالعقل هو الذي يفرق فيحكم بتلازمهما عقلا أو عادة مع جواز التبدل عقلا والله أعلم وفيه وقوع تشبيه الشئ بالشئ إذا جمعهم وصف خاص ولو تباينا في الصورة وفيه شدة ورع أبي هريرة لأنه مع كون الحرث أغضبه حتى تكلم بغير العربية خشي أن يظن الحرث أنه قال فيه
(٢٠٧)