للموبقات فالذي يظهر على يده من الخوارق كرامة وإلا فهو سحر لأنه ينشأ عن أحد أنواعه كإعانة الشياطين وقال القرطبي السحر حيل صناعية يتوصل إليها بالاكتساب غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس ومادته الوقوف على خواص الأشياء والعلم بوجوه تركيبها وأوقاته وأكثرها تخييلات بغير حقيقة وإيهامات بغير ثبوت فيعظم عند من لا يعرف ذلك كما قال الله تعالى عن سحرة فرعون وجاءوا بسحر عظيم مع أن حبالهم وعصيهم لم تخرج عن كونها حبالا وعصيا ثم قال والحق أن لبعض أصناف السحر تأثيرا في القلوب كالحب والبغض وإلقاء الخير والشر وفي الأبدان بالألم والسقم وإنما المنكور أن الجماد ينقلب حيوانا أو عكسه بسحر الساحر ونحو ذلك (قوله وقول الله تعالى ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر الآية) كذا للأكثر وساق في رواية كريمة إلى قوله من خلاق وفي هذه الآية بيان أصل السحر الذي يعمل به اليهود ثم هو مما وضعته الشياطين على سليمان بن داود عليه السلام ومما أنزل على هاروت وماروت بأرض بابل والثاني متقدم العهد على الأول لان قصة هاروت وماروت كانت من قبل زمن نوح عليه السلام على ما ذكر ابن إسحاق وغيره وكان السحر موجودا في زمن نوح إذ أخبر الله عن قوم نوح أنهم زعموا أنه ساحر وكان السحر أيضا فاشيا في قوم فرعون وكل ذلك قبل سليمان واختلف في المراد بالآية فقيل أن سليمان كان جمع كتب السحر والكهانة فدفنها تحت كرسيه فلم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي فلما مات سليمان وذهبت العلماء الذين يعرفون الامر جاءهم شيطان في صورة إنسان فقال لليهود هل أدلكم على كنز لا نظير له قالوا نعم قال فاحفروا تحت الكرسي فحفروا وهو متنح عنهم فوجدوا تلك الكتب فقال لهم أن سليمان كان يضبط الإنس والجن بهذا ففشا فيهم أن سليمان كان ساحرا فلما نزل القرآن بذكر سليمان في الأنبياء أنكرت اليهود ذلك وقالوا إنما كان ساحرا فنزلت هذه الآية أخرجه الطبري وغيره عن السدي ومن طريق سعيد بن جبير بسند صحيح نحوه ومن طريق عمران بن الحرث عن ابن عباس موصولا بمعناه وأخرج من طريق الربيع بن أنس نحوه ولكن قال أن الشياطين هي التي كتبت كتب السحر ودفنتها تحت كرسيه ثم لما مات سليمان استخرجته وقالوا هذا العلم الذي كان سليمان يكتمه الناس وأخرجه من طريق محمد بن إسحاق وزاد أنهم نقشوا خاتما على نقش خاتم سليمان وختموا به الكتاب وكتبوا عنوانه هذا ما كتب آصف بن برخياء الصديق الملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم ثم دفنوه فذكر نحو ما تقدم وأخرج من طريق العوفي عن ابن عباس نحو ما تقدم عن السدي ولكن قال إنهم لما وجدوا الكتب قالوا هذا مما أنزل الله على سليمان فأخفاه منا وأخرج بسند صحيح عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال انطلقت الشياطين في الأيام التي ابتلي فيها سليمان فكتبت كتبا فيها سحر وكفر ثم دفنتها تحت كرسيه ثم أخرجوها بعده فقرؤها على الناس وملخص ما ذكر في تفسير هذه الآية أن المحكي عنهم أنهم اتبعوا ما تتلو الشياطين هم أهل الكتاب إذ تقدم قبل ذلك في الآيات إيضاح ذلك والجملة معطوفة على مجموع الجمل السابقة من قوله تعالى ولما جاءهم رسول إلى آخر الآية وما في قوله ما تتلو الشياطين موصولة على الصواب وغلط من قال أنها نافية لان نظم الكلام يأباه وتتلو لفظه مضارع لكن هو واقع موقع الماضي وهو استعمال شائع ومعنى تتلو
(١٨٩)