قال يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد الوهاب وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال لا تقصروا الصلاة إلى في اليوم ولا تقصر فيما دون اليوم ولابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عنه قال تقصر الصلاة في مسيرة يوم وليلة ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن مسافة أربعة برد يمكن سرها في يوم وليلة وأما حديث بن عمر الدال على اعتبار الثلاث فأما أن يجمع بينه وبين اختياره بأن المسافة واحدة ولكن السير يختلف أو أن الحديث المرفوع ما سيق لأجل بيان مسافة القصر بل لنهى المرأة عن الخروج وحدها ولذلك اختلفت الألفاظ في ذلك ويؤيد ذلك أن الحكم في نهى المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة مثلا في يوم تام لتعلق بها النهى بخلاف المسافر فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلا في يومين ليقصر فافترقا والله أعلم وأقل ما ورد في ذلك لفظ بريد إن كانت محفوظة وسنذكرها في آخر هذا الباب وعلى هذا ففي تمسك الحنفية بحديث بن عمر على أن أقل مسافة القصر ثلاثة أيام إشكال ولا سيما على قاعدتهم بأن الاعتبار بما رأى الصحابي لا بما روى فلو كان الحديث عنده لبيان أقل مسافة القصر لما خالفه وقصر في مسيرة اليوم التام وقد اختلف عن ابن عمر في تحديد ذلك اختلافا غير ما ذكر فروى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال له بخيبر وبين المدينة وخيبر ستة وتسعون ميلا وروى وكيع من وجه آخر عن ابن عمر أنه قال يقصر من المدينة إلى السويداء وبينهما اثنان وسبعون ميلا وروى عبد الرزاق عن مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه سافر إلى ريم فقصر الصلاة قال عبد الرزاق وهي على ثلاثين ميلا من المدينة وروى ابن أبي شيبة عن وكيع عن مسعر عن محارب سمعت ابن عمر يقول إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر وقال الثوري سمعت جبلة بن سحيم سمعت ابن عمر يقول لو خرجت ميلا قصرت الصلاة إسناد كل منهما صحيح وهذه أقوال متغايرة جدا فالله أعلم (قوله وهي) أي الأربعة برد (ستة عشر فرسخا) ذكر الفراء أن الفرسخ فارسي معرب وهو ثلاثة أميال والميل من الأرض منتهى الفساد البصر لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه وبذلك جزم الجوهري وقيل حده أن ينظر إلى الشخص في أرض مصطجبة فلا يدري أهو رجل أو امرأة أو هو ذاهب أو آت قال النووي الميل ستة آلاف ذراع والذراع أربعة قرة إصبعا معترضة معتدلة والإصبع ست شعيرات معترضة معتدلة أه وهذا الذي قاله هو الأشهر ومنهم من عبر عن ذلك باثني عشر ألف قدم يقدم الإنسان وقيل وهو أربعة آلاف ذراع وقيل بل ثلاثة آلاف ذراع نقله صاحب البيان وقيل وخمسمائة صححه ابن عبد البر وقيل هو ألفا ذراع ومنهم من عبر عن ذلك بألف خطوة للجمل ثم إن الذراع الذي ذكر النووي تحديده قد حرره غيره بذراع الحديد المستعمل الآن في مصر والحجاز في هذه الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن فعلى هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعا وهذه فائدة نفيسة قل من نبه عليها وحكى النووي أن أهل الظاهر ذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال وكأنهم احتجوا في ذلك بما رواه مسلم وأبو داود من حديث أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ قصر الصلاة وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر
(٤٦٧)