يقال إن فضل الله الذي أقام به عمل ربع النهار مقام عمل النهار كله هو الذي اقتضى أن يقوم إدراك الركعة الواحدة من الصلاة الرباعية التي هي العصر مقام إدراك الأربع في الوقت فاشتركا في كون كل منهما ربع العمل وحصل بهذا التقرير الجواب عمن استشكل وقوع الجميع أداء مع أن الأكثر إنما وقع خارج الوقت فيقال في هذا ما أجيب به أهل الكتابين ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وقد استبعد بعض الشراح كلام المهلب ثم قال هو منفك عن محل الاستدلال لأن الأمة عملت آخر النهار فكان أفضل من عمل المتقدمين قبلها ولا خلاف أن تقديم الصلاة أفضل من تأخيرها ثم هو من الخصوصيات التي لا يقاس عليها لأن صيام آخر النهار لا يجزئ عن جملته فكذلك سائر العبادات (قلت) فاستبعد غير مستبعد وليس في كلام المهلب ما يقتضى أن إيقاع العبادة في آخر وقتها أفضل من إيقاعها في أوله وأما إجزاء عمل البعض عن الكل فمن قبيل الفضل فهو كالخصوصية سواء وقال ابن المنير يستنبط من هذا الحديث أن وقت العمل ممتد إلى غروب الشمس وأقرب الأعمال المشهورة بهذا الوقت صلاة العصر قال فهو من معي الإشارة لا من صريح العبارة فإن الحديث مثال وليس المراد العمل الخاص بهذا الوقت بل هو شامل لسائر الأعمال من الطاعات في بقية الأمهال إلى قيام الساعة وقد قال إمام الحرمين إن الأحكام لا تؤخذ من الأحاديث التي تأتي لضرب الأمثال (قلت) وما أبداه مناسب لإدخال هذا الحديث في أبواب أوقات العصر لا لخصوص الترجمة وهي من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب بخلاف ما أبداه المهلب وأكملناه وأما ما وقع من المخالفة بين سياق حديث بن عمر وحديث أبي موسى فظاهرهما أنهما قضيتان وقد حاول بعضهم الجمع بينهما فتعسف وقال ابن رشيد ما حاصله إن حديث بن عمر ذكر مثالا لأهل الأعذار لقوله فعجزوا فأشار إلى أن من عجز عن استيفاء العمل من غير أن يكون له صنيع في ذلك أن الأجر يحصل له تاما فضلا من الله قال وذكر حديث أبي موسى مثالا لمن أخر بغير عذر وإلى ذلك الإشارة بقوله عنهم لا حاجة لنا إلى أجرك فأشار بذلك إلى أن من أخر عامدا لا يحصل له ما حصل لأهل الأعذار (قوله في حديث أبي موسى فقال أكملوا) كذا للأكثر بهمزة قطع وبالكاف وكذا وقع في الإجارة ووقع هنا للكشميهني اعملوا بهمزة وصل وبالعين (قوله في حديث بن عمر ونحن كنا أكثر عملا) تمسك به بعض الحنفية كأبي زيد في كتاب الاسرار إلى أن وقت العصر من مصير ظل كل شئ مثليه لأنه لو كان من مصير ظل كل شئ مثله لكان مساويا لوقت الظهر وقد قالوا كنا أكثر وأشار فدل على أنه دون وقت الظهر وأجيب بمنع المساواة وذلك معروف عند أهل العلم بهذا الفن وهو أن المدة التي بين الظهر والعصر أطول من المدة التي بين العصر والمغرب وأما ما نقله بعض الحنابلة من الإجماع على أن وقت العصر ربع النهار فمحمول على التقريب إذا فرعنا على أن أول وقت العصر مصير الظل مثله كما قال الجمهور وأما على قول الحنفية فالذي من الظهر إلى العصر أطول قطعا وعلى التنزيل لا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كل جهة وبأن الخبر إذا أورد في معنى مقصود لا تؤخذ منه المعارضة لما ورد في ذلك المعنى بعينه مقصودا في أمر آخر وبأنه ليس في الخبر نص على أن كلا من الطائفتين أكثر وأشار لصدق أن كلهم مجتمعين أكثر وأشار من المسلمين وباحتمال أن يكون أطلق ذلك تغليبا وباحتمال أن يكون ذلك قول اليهود خاصة فيندفع الاعتراض من أصله كما جزم به بعضهم
(٣٣)