مالك على وجوبه فحمله من لم يمارس مذهبه على ظاهره وأبي ذلك أصحابه أه والرواية عن مالك بذلك في التمهيد وفيه أيضا من طريق أشهب عن مالك أنه سئل عنه فقال حسن وليس بواجب وحكاه بعض المتأخرين عن بخزيمة من أصحابنا وهو غلط عليه فقد صرح في صحيحه بأنه على الاختيار واحتج لكون مندوبا بعدة أحاديث في عدة تراجم وحكاه شارح الغنية لابن سريج قولا للشافعي واستغرب وقد قال الشافعي في الرسالة بعد أن أورد حديثي ابن عمر وأبي سعيد احتمل قوله واجب معنيين الظاهر منهما أنه واجب فلا تجزى الطهارة لصلاة الجمعة إلا بالغسل واحتمل أنه واجب في الاختيار وكرم الأخلاق والنظافة ثم استدل للاحتمال الثاني بقصة عثمان مع عمر التي تقدمت قال فلما لم يترك عثمان الصلاة للغسل ولم يأمره عمر بالخروج للغسل دل ذلك على أنهما قد علما أن الأمر بالغسل للاختيار أه وعلى هذا الجواب عول أكثر المصنفين في هذه المسألة كابن خزيمة والطبري والطحاوي وابن حيان وابن عبد البر وهلم جرا وزاد بعضهم فيه أن من حضر من الصحابة وافقوهما على ذلك فكان إجماعا منهم على أن الغسل ليس شرطا في صحة الصلاة وهو استدلال قوي وقد نقل الخطابي وغيره الإجماع على أن صلاة الجمعة بدون الغسل مجزئة لكن حكى الطبري عن قوم أنهم قالوا بوجوبه ولم يقولوا إنه شرط بل هو واجب مستقل تصح الصلاة بدونه كأن أصله قصد التنظيف وإزالة الروائح الكريهة التي يتأذى بها الحاضرون من الملائكة والناس وهو موافق لقول من قال يحرم أكل الثوم على من قصد الصلاة في الجماعة ويرد عليهم أنه يلزم من ذلك تأثيم عثمان والجواب أنه كان معذورا لأنه إنما تركه ذاهلا عن الوقت مع أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل في أول النهار لما ثبت في صحيح مسلم عن حمران أن عثمان لم يكن يمضى عليه يوم حتى يفيض عليه الماء وإنما لم يعتذر بذلك لعمر كما اعتذر عن التأخر لأنه لم يتصل غسله بذهابه إلى الجمعة كما هو الأفضل وعن بعض الحنابلة التفصيل بين ذي النظافة وغيره فيجب على الثاني دون الأول نظرا إلى العلة حكاه صاحب الهدى وحكى ابن المنذر عن إسحاق بن راهويه أن قصة عمر وعثمان أخذت على وجوب الغسل لا على عدم وجوبه من جهة ترك عمر الخطبة واشتغاله بمعاتبة عثمان وتوبيخ مثله على رؤوس الناس فلو كان ترك الغسل مباحا لما فعل عمر ذلك وإنما لم يرجع عثمان للغسل لضيق الوقت إذ لو فعل لفاتته الجمعة أو لكونه كان اغتسل كما تقدم قال ابن دقيق العيد ذهب الأكثرون إلى استحباب غسل الجمعة وهو محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر وقد أولوا صيغة الأمر على الندب وصيغة الوجوب على التأكيد كما يقال إكرامك على واجب وهو تأويل ضعيف إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحا على هذا الظاهر وأقوى ما عارضوا به هذا الظاهر حديث من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمته ومن اغتسل فالغسل أفضل ولا يعارض سنده سند هذه الأحاديث قال وربما تأولوه تأويلا مستكرها كمن حمل لفظ الوجوب على السقوط انتهى فأما الحديث فعول على المعارضة به كثير من المصنفين ووجه الدلالة منه قوله فالغسل أفضل فإنه يقتضى اشتراك الوضوء والغسل في أصل الفضل فيستلزم أجزاء الوضوء ولهذا الحديث طرق أشهرها وأقواها رواية الحسن عن سمرة أخرجها أصحاب السنن الثلاثة وابن خزيمة وابن حيان وله علتان إحداهما أنه من عنعنة الحسن والأخرى أنه اختلف عليه فيه وأخرجه ابن ماجة
(٣٠٠)