منه ما لم يسمعوه من غيره في ذلك العصر وبقي هكذا حتى أقبل يوم التروية، وأحرم الحاج للحج، واتجهوا إلى عرفات ملبين.
في هذا الوقت خالف الامام الحجيج وأحل من إحرامه وخرج من الحرم قائلا أخشى أن تغتالني عصبة الخلافة لأني لم أبايع فتهتك بي حرمة الحرم، ولان أقتل خارجا منه بشبر أحب إلي من أن أقتل داخلا بشبر إن الامام لم يقل عندئذ أذهب إلى العراق لالي الحكم بل قال: أذهب لاقتل خارجا من الحرم بشبر.
ويعود الحجيج إلى مواطنهم ويبلغ معهم خبر الإمام الحسين إلى منتهى الخف والحافر، يبلغ خبره إلى أي صقع من أصقاع الأرض يمر به ركب الحجيج الذي يحمل معه إلى المسلمين في كل مكان النبأ العظيم، نبأ خروج سبط نبيهم على الخلافة القائمة ودعوته المسلمين إلى القيام المسلح ضد الخلافة لأنه يرى الخليفة قد انحرف عن الاسلام ويرى الخطر محدقا بالاسلام مع استمرار هذا الحكم، فيتعطش المسلمون في كل مكان لمعرفة مآل هذه المعركة، معركة أهل بيت الرسول مع عصبة الخلافة ويتنسمون أخبارها فيبلغهم أن الحسين (ع) خرج لا يلويه شئ ولا يثني عزمه تحذير المحذرين ولا تخذيل المخذلين، لا يلويه قول عبد الله بن عمر: استودعك الله من قتيل، ولا قول الفرزدق:
قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية، ولا كتاب عمرة، وحديثها عن عائشة عن رسول الله أنه يقتل بأرض بابل، هكذا تبلغهم أخبار الامام خبر بعد خبر ويمضي الحسين (ع) متريثا متمهلا لا يخفى من أمره شئ بل يبادر إلى كل فعل يشهر مخالفته للخليفة يزيد، فيأخذ ما أرسله والي اليمن إلى الخليفة من تحف وعطور ويعلن بفعله هذا عدم شرعية تصرف الخليفة وكذلك يفعل كل ما يتم به الحجة على من اجتمع به أو بلغه خبره، ويبالغ في ذلك وأخيرا يستقبل بالماء جيش عدوه وقد أجهده العطش في صحراء لا ماء فيه يرويهم ويروي مراكبهم، ولا يقبل أن يباغت هذا الجيش بالحرب، بل يتركهم ليكونوا هم الذين يبدؤه بالحرب ثم إنه أتم الحجة على هذا الجيش وخاطبهم بعد أن أمهم بالصلاة وقال:
معذرة إلى الله عز وجل واليكم، اني لم آتكم حتى أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم أن أقدم علينا فإنه ليس لنا امام لعل الله يجمعنا بك على الهدى، فان كنتم على ذلك، فقد جئتكم، فان تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم، وان لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين، انصرف عنكم.