عطشانا فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبتل طعامه من دموعه فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل.
قال: وحدث مولى له قال: أنه برز يوما إلى الصحراء فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة فوقفت وأنا أسمع شهيقه و أحصيت عليه ألف مرة يقول: (لا إله إلا الله حقا حقا. لا إله إلا الله تعبدا ورقا، لا إله إلا الله ايمانا وصدقا) ثم رفع رأسه من سجوده وان لحيته ووجهه قد غمرا من دموع عينيه، فقلت: يا سيدي أما آن لحزنك أن ينقضي، ولبكائك أن يقل؟ فقال: ويحك، ان يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كان نبيا وابن نبي، له اثنى عشر ابنا فغيب الله واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغم وذهب بصره من البكاء وابنه حي في دار الدنيا وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين، فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي 1؟
رأس ابن زياد بين يدي السجاد (ع):
وذكر اليعقوبي وقال: وجه المختار برأس عبيد الله بن زياد إلى علي بن الحسين في المدينة مع رجل من قومه، وقال له: قف بباب علي بن الحسين، فإذا رأيت أبوابه قد فتحت ودخل الناس، فذلك الذي فيه طعامه، فادخل إليه، فجاء الرسول إلى باب علي بن الحسين، فلما فتحت أبوابه، ودخل الناس للطعام، دخل ونادى بأعلى صوته: يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الملائكة، ومنزل الوحي، أنا رسول المختار ابن أبي عبيد معي رأس عبيد الله بن زياد. فلم تبق في شئ من دور بني هاشم امرأة الا صرخت، ودخل الرسول فأخرج الرأس، فلما رآه علي بن الحسين قال: أبعده الله إلى النار.
وروى بعضهم أن علي بن الحسين لم ير ضاحكا قط منذ قتل أبوه، الا في ذلك اليوم، وانه كان له إبل تحمل الفاكهة من الشام، فلما أتي برأس عبيد الله بن زياد أمر بتلك الفاكهة ففرقت بين أهل المدينة وامتشطت نساء آل رسول الله واختضبن وما امتشطت امرأة ولا اختضبت منذ قتل الحسين بن علي 2.