دعوتموه حتى إذا اتاكم أسلمتموه، وزعمتم انكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه. وأحطتم به من كل جانب، فمنعتموه التوجه في بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته، وأصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع ضرا، وحلأتموه ونساءه وأصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه، وها هم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا سقاكم الله يوم الظماء، ان لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا، في ساعته هذه، فحملت عليه رجالة لهم ترميه بالنبل، فأقبل حتى وقف امام الحسين.
خطبة الحسين الثانية:
قال سبط ابن الجوزي: ثم إن الحسين عليه السلام ركب فرسه، وأخذ مصحفا ونشره على رأسه، ووقف بإزاء القوم وقال: يا قوم ان بيني وبينكم كتاب الله وسنة جدي رسول الله (ص) 1.
وقال الخوارزمي: لما عبأ ابن سعد أصحابه، فأحاطوا بالحسين، من كل جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة خرج الحسين من أصحابه، فأتاهم، فاستنصتهم، فأبوا ان ينصتوا فقال لهم: ويلكم! ما عليكم ان تنصتوا إلى فتسمعوا قولي! وإنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد! فتلاوم أصحاب عمر بن سعد، وقالوا: أنصتوا له، فقال:
تبا لكم أيتها الجماعة وترحا! أحين استصرختمونا والهين، فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفا لنا في ايمانكم، وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدونا وعدوكم، فأصبحتم ألبا لأعدائكم على أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن، والرأي لما يستحصف، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش، ثم نقضتموها فسحقا لكم يا عبيد الأمة! وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرفي الكلم، وعصبة الآثم ونفثة الشيطان، ومطفئي السنن، ويحكم! أهؤلاء تعضدون، وعنا تتخاذلون أجل والله غدر فيكم قديم، وشجت عليه أصولكم، تأزرت فروعكم، فكنتم أخبث ثمر، شجى للناظر وأكلة للغاصب!