أن ما ذكره سيف فيها خلاف ما يعرفه أهل السير! إذا فما الذي دعاهم إلى اعتماد روايات سيف دون غيرها مع علمهم بكذبه وزندقته، إن هو إلا أن سيفا حلى مفترياته بإطار من نشر مناقب ذوي السلطة من الصحابة فبذل العلماء وسعهم في نشرها وترويجها. مع علمهم بكذبها، ففي فتوح العراق - مثلا - أورد مفترياته تحت شعار مناقب خالد بن الوليد، فقد وضع على لسان أبي بكر أنه قال: بعد معركة أليس وهدم مدينة أمغيشيا: " يا معشر قريش عدا أسدكم على الأسد فغلبه على خراذيله، أعجزت النساء أن ينشئن مثل خالد ".
كما زين ما اختلق في معارك الردة بإطار من مناقب الخليفة أبي بكر، وكذلك فعل في ما روى واختلق عن فتوح الشام وإيران على عهد عمر، والفتن في عصر عثمان، وواقعة الجمل في عصر علي، فإنه زين جميعها بإطار من مناقب ذوي السلطة والدفاع عنهم في ما انتقدوا عليها وبذلك راجت روايات سيف وشاعت أكاذيبه و نسيت الروايات الصحيحة وأهملت على أنه ليس في ما وضعه سيف واختلق - على الأغلب - فضيلة للصحابة بل فيه مذمة لهم، ولست أدري كيف خفي على هؤلاء أن جلب خالد عشرات الألوف من البشر وذبحهم على النهر ليجري نهرهم بدمائهم ليست فضيلة له، ولا هدمه مدينة أمغيشيا ولا نظائرها إلا على رأي الزنادقة في الحياة من أنها سجن للنور وأنه ينبغي السعي في إنهاء الحياة لانقاذ النور من سجنه (1) ومهما يكن من أمر فإن بضاعة سيف المزجاة إنما راجت لأنه طلاها بطلاء من مناقب الكبراء وإن حرص هؤلاء على نشر فضائل ذوي السلطة والدفاع عنهم أدى بهم إلى نشر ما في ظاهره فضيلة لهم وإن لم تكن لهم في واقعه فضيلة! والأنكى من ذلك أن سيفا لم يكتف باختلاق روايات في ظاهرها مناقب للصحابة من ذوي السلطة ويدس فيها ما شاء لهدم الاسلام بل اختلق صحابة للرسول لم يخلقهم الله! ووضع لهم ما شاء من كرامة وفتوح وشعر ومناقب كما شاء! وذلك معرفة منه بأن هؤلاء يتمسكون بكل ما فيه مناقب لأصحاب الحكم كيف ما كان، فوضع واختلق ما شاء لهدم الاسلام! اعتمادا منه على هذا الخلق عند هؤلاء! وضحكا منه على ذقون المسلمين! ولم يخيب هؤلاء ظن سيف، وإنما روجوا مفترياته زهاء ثلاثة عشر قرنا!.
أوردنا إلى هنا أمثلة مما اختلقها سيف للطعن بالاسلام وأطرها بإطار مناقب كبراء الصحابة والتابعين أي ذوي السلطة منهم، وفي ما يأتي ندرس أمثلة أخرى منها مما أطرها بإطار حل معضلة مدرسة الخلافة مدى القرون، كما سيأتي بيانها.