مراحل الآخرة ورائد الانتقال ومركوب للحمام وهو للجاهل نذير، وللعاقل بشير وهو سمة الوقار، وشعار الأخيار نعم الشيب شعار للأخيار ولكنه عار على الفجار ونريهم يتزينون بزي الشباب، وما بلغهم قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير شبابكم من تزيا بزي كهولكم وشر كهولكم من تزيا بزي شبابكم فعلى هذا الذي تزيا بزي الشبان فهو شر الناس لأنه ينزل به الموت وهو يطلب اللهو واللعب والحال إن ينبغي أن يعد نفسه من الأموات ويجيب الملك في ندائه في الخبر أن لله ملكا ينادي في كل يوم يا أبناء الستين عدوا أنفسكم من الموتى ومعناه هو ما قال أمير المؤمنين ولقد نسب إليه:
إذا كانت الستون عمرك لم يكن * لدائك إلا أن تموت طبيب وأن امرء قد عاش ستين حجة * إلى منهل من ورده لقريب إذا ذهب القرن الذي أنت فيهم * وخلفت في قرن وأنت غريب يعني إذا بلغت الستين فلا تلتمس العلاج لدائك ولا الشفاء لمرضك وإنما دواء دائك الموت وقد قرب منك ونزل بك نعم الشيب تحدث أمراضا للانسان وأسقاما لا يداويها إلا الموت دخل شيخ من العرب على الحجاج: فسئله الحجاج كيف حالك في الاكل؟ قال:
إن أكلت ثقلت وأن تركت ضعفت. قال، وكيف نكاحك؟ قال: إذا بذلت عجزت وإذا منعت شرهت. قال وكيف نومك؟ قال: أنام في المجمع واسهر في المضجع قال:
وكيف مشيك؟ قال: تعقلني الشعرة وتعثرني البعرة فتراه في هذا الحال الذي سرى الشيب في تمام أعضائه قد حصلت له الأخلاق الذميمة كما أخبر بذلك الإمام الصادق المصدق يشيب ابن آدم وتشيب فيه خصلتان: الحرص وطول الامل ولا سيما طائفة النسوان فترى المرأة كلما زيد في عمرها زيدت في شهوتها فتراها قد شاب رأسها وهي في تحصيل الحلى والحلل لتتزين بها وتطلب البعل لنفسها إذا لم سكن لها بعل كما قال شيخنا البهائي في الكشكول في وجه تسمية برد العجوز أن عجوزا طلبت من أولادها أن يزوجوها، فشرطوا عليها أن تبرز إلى الهواء سبع ليال ففعلت وماتت في السابعة، فالحاصل أن الشيب سعادة لبعض ولبعض شقاوة اللهم اختم لنا بالسعادة ونجنا من سوء المنقلب، ومن الشقاوة أن ترى الانسان قد شاب رأسه وأبيض شعره وهو لا يبالي في أن يعبد ربه أو يعصيه والحال أن الله يستحي من عذابه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله تعالى، وعزتي وجلالي إني لأستحي من عبدي، وأمتي يشيبان في الاسلام أن أعذبهما ثم بكى صلى الله عليه وآله وسلم فقيل مم بكاؤك؟