وقال القطب الراوندي رحمه الله بعد ذكر المعنيين المحكيين عن ابن قتيبة وأبي عبيد: وقال المرتضى فيه وجها ثالثا، أي من أحبنا فليزم نفسه وليقدها إلى الطاعات، وليذللها على الصبر عما كره منها، فالفقر: أن يحز أنف البعير فيلوى عليه حبل يذلل به الصعب، يقال: فقره إذا فعل به ذلك انتهى.
ولا يخفي أنه لو كان المراد الصبر على الفقر وستره والكف عن إظهار الحاجة إلى الناس، وذلك هو المعبر عنه بالجلباب، كما أشير إليه أولا، لا يقدح فيه ما ذكره أبو عبيد من أن: فيمن يحبهم مثل ما في سائر الناس من الغنى، لان الامر بالصبر والستر حينئذ يتوجه إلى من ابتلاه الله بالفقر، فالمراد: أن من ابتلى من محبينا بالفقر، فليصبر عليه ولا يكشفها، ولا يستفاد منه فقد الغنى من الشيعة.
وأما الخبر الأول فقد قيل: يحتمل أن تكون مفاده صعوبة حمل محبتهم الكاملة، فيكون قريبا من قوله عليه السلام: إن أمرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للايمان (1).
فتهافت الجبل حينئذ لثقل هذا الحمل، وشدة المهابة، كقوله تعالى " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله " (2) وقوله تعالى:
" إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها " (3) والظاهر من المقام أنه ليس المراد بالمحبة، ما في العوام والأوساط بل ما يستلزم التشبه به عليه السلام على وجه كامل، والاقتداء التام به عليه السلام في الفضائل ومحاسن الأعمال، على قدر الطاقة، وإن كانت درجته الرفيعة فوق إدراك الافهام، وأعلى من أن تناله الأوهام، وحق للجبل أن يتهافت عن حمل مثل ذلك الحمل.