ذلك في بعض الأوقات، ومنهم من عصمه كما عصم نبينا صلى الله عليه وآله بعد من الناس.
فلئن لم يكف عن نبينا ربه تعالى يد ابن قميئة يوم أحد، ولا حجبه عن عيون عداه عند دعوة أهل الطائف، فلقد أخذ على عيون قريش عند خروجه إلى ثور، وأمسك عنه سيف غورث، وحجر أبي جهل، وفرس سراقة، ولئن لم يقه من سحر ابن الأعصم، فلقد وقاه ما هو أعظم من سم اليهودية، وكذا سائر أنبيائه مبتلى ومعافى.
وذلك من تمام حكمته، ليظهر شرفهم في هذه المقامات، ويبين أمرهم ويتم كلمته فيهم، وليحقق بامتحانهم بشريتهم، ويرتفع الالتباس عن أهل الضعف فيهم لئلا يضلوا بما يظهر من العجائب على أيديهم، ضلال النصارى بعيسى بن مريم، وليكون في محنهم تسلية لأممهم، ووفور لإجورهم عند ربهم، تماما على الذي أحسن إليهم.
قال بعض المحققين: وهذه الطواري والتغييرات المذكورة، إنما يختص بأجسامهم البشرية المقصود بها مقاومة البشر ومعاناة بني آدم، لمشاكلة الجسم، وأما بواطنهم فمنزهة غالبا عن ذلك، معصومة منه، متعلقة بالملاء الاعلى والملائكة لاخذها عنهم، تلقيها الوحي منهم، وقد قال صلى الله عليه وآله: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي، وقال: إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني، وقال: إني لست أنسى، ولكن انسى ليستن بي.
فأخبر أن سره وباطنه وروحه بخلاف جسمه وظاهره، وأن الآفات التي تحل ظاهره من ضعف، وجوع، ونوم، وسهر، لا يحل منها شئ باطنه، بخلاف غيره من البشر في حكم الباطن، لان غيره إذا نام استغرق النوم جسمه وقلبه، وهو في نومه عليه السلام حضر القلب، كما هو في يقظته، حتى أنه جاء في بعض الآثار أنه كان محروسا من الحدث في نومه لكون قلبه يقظان كما ذكرناه.