إذ لو كانت بواطنهم خالصة للبشرية كظواهرهم، لما أطاقوا الاخذ عن الملائكة ورؤيتهم ومخاطبتهم، كما لا يطيقه غيرهم من البشر، ولو كانت أجسامهم وظواهرهم متسمة بنعوت الملائكة، وبخلاف صفات البشر، لما أطاق البشر ومن أرسلوا إليه مخاطبتهم كما تقدم من قول الله تعالى.
فجعلوا من جهة الأجسام والظواهر مع البشر، ومن جهة الأرواح والبواطن مع الملائكة، كما قال صلى الله عليه وآله: تنام عيناي ولا ينام قلبي، وقال: إني لست كهيئتكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني، فبواطنهم منزهة عن الآفات، مطهرة من النقائص والإعتلالات.
وقال في موضع آخر: قد قدمنا أنه صلى الله عليه وآله وسائر الأنبياء والرسل من البشر، وأن جسمه وظاهره خالص للبشر، يجوز عليه من الآفات والتغييرات، والآلام والأسقام، وتجرع كأس الحمام ما يجوز على البشر، هذا كله ليس بنقيصة فيه، لان الشئ إنما يسمى ناقصا بالإضافة إلى ما هو أتم منه وأكمل من نوعه، وقد كتب الله على أهل هذه الدار " فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون " (1)، وخلق جميع البشر بمدرجة الغير، فقد مرض صلى الله عليه وآله واشتكى وأصابه الحر والقر، وأدركه الجوع والعطش، ولحقه الغضب والضجر وناله الاعياء والتعب، ومسه الضعف والكبر، وسقط فجحش شقه، وشجه الكفار وكسروا رباعيته، وسقي السم، وسحر وتداوى، واحتجم وتعوذ ثم قضى نحبه فتوفي صلى الله عليه وآله ولحق بالرفيق الاعلى وتخلص من دار الامتحان والبلوى.
وهذه سمات البشر التي لا محيص عنها، وأصاب غيره من الأنبياء ما هو أعظم منها، وقتلوا قتلا، ورموا في النار، ووشروا بالمياشير (2)، ومنهم من وقاه الله