الطينات المختلفة، والخلق منها، وتقدير الأمور المذكورة فيهم، ليس مما ينفي اختيار الخير والشر، أو من الأمور الحتمية التي لا تقبل البداء.
" لا اسأل عما أفعل " إنما لا يسأل لأنه سبحانه الكامل بالذات، العادل في كل ما أراد، العالم بالحكم والمصالح الخفية التي لا تصل إليها عقول الخلق بخلاف غيره فإنهم مسؤلون عن أعمالهم وأحوالهم، لان فيها الحسن والقبيح والايمان والكفر، لا بالمعنى الذي تذهب إليه الأشاعرة أنه يجوز أن يدخل الأنبياء عليهم السلام النار. والكافر الجنة، ولا يجب عليه شئ.
وقيل: إن هذا إشارة إلى عدم الوجوب السابق، وجواز تخلف المعلول عن العلة التامة، كما اختاره هذا القائل.
وقال بعض أرباب التأويل في شرح هذا الخبر: إنما ملؤا السماء لان الملكوت إنما هو في باطن السماء وقد ملؤها، وكانوا يومئذ ملكوتيين، والسر في تفاوت الخلائق في الخيرات والشرور، واختلافهم في السعادة والشقاوة، اختلاف استعداداتهم وتنوع حقائقهم، لتباين المواد السفلية في اللطافة والكثافة، واختلاف أمزجتهم في القرب والبعد من الاعتدال الحقيقي، واختلاف الأرواح التي بإزائها في الصفاء والكدورة والقوة والضعف وترتب درجاتهم في القرب من الله سبحانه والبعد عنه كما أشير إليه في الحديث: (1) الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام، وأما أسر هذا السر أعني سر اختلاف الاستعدادات وتنوع الحقائق، فهو تقابل صفات الله سبحانه وأسمائه الحسنى، التي هي من أوصاف الكمال، ونعوت الجلال وضرورة تباين مظاهرها التي بها يظهر أثر تلك الأسماء، فكل من الأسماء يوجب تعلق إرادته سبحانه وقدرته إلى إيجاد مخلوق يدل عليه، من حيث اتصافه بتلك الصفة، فلابد من