" من روحي " أي من روح اصطفيته واخترته، أو من عالم المجردات، بناء على تجرد النفس، قيل: الروح الأول النفس والثاني جبرئيل، ولا يخفى ما فيه.
" وطبيعتك " أي خلقتك الجسمانية البدنية أو صفاتها التابعة لها " خلاف كينونتي " أي وجودي فإنها من عالم الماديات، ولا تناسب عالم المجردات، و الخطاء والوهم ناش منها.
وقيل: الكينونة هنا مصدر كان الناقصة، والإضافة أيضا للتشريف: أي صفاتك البدنية مخالفة للآداب المرضية لي، ككونك صابرا وقانعا وراضيا بقضائه تعالى، " والجبلة " بكسر الجيم والباء وتشديد اللام: الخلقة، قوله " وبضعف طبيعتك تكلفت ما لا علم لك به " في بعض النسخ: وبضعف قوتك تكلمت.
والحاصل أن حكمك بأنهم إذا كانوا على صفات واحدة كان أقرب إلى الحكمة والصواب، إنما نشأ من الأوهام التابعة للقوى البدنية، فإنهم لو كانوا كذلك، لم يتيسر التكليف المعرض لهم لارفع الدرجات، ولم يبق نظام النوع ولم يرتكبوا الصناعات الشاقة التي بها بقاء نوعهم، إلى غير ذلك من الحكم والمصالح.
" بعلمي خالفت بين خلقهم " إذ علمت أن في مخالفة خلقتهم صلاحهم وبقاء نوعهم، " وبمشيتي " أي إرادتي التابعة لحكمتي، " يمضي فيهم أمري " أي الامر التكويني أو التكليفي أو الأعم، " لا تبديل لخلقي ": أي لتقديري أو لما قررت فيهم من القابليات والاستعدادات.
وقيل: أي من حسنت أحواله في ذلك الوقت، حسنت أحواله في الدنيا ومن حسنت أحواله في الدنيا، حسنت أحواله في الآخرة، ومن قبحت أحواله في ذلك الوقت قبحت أحواله في الموطنين الآخرين، لا يتبدل هؤلاء إلى هؤلاء، ولا هؤلاء إلى هؤلاء.
أقول: قد مر وسيأتي الكلام في تفسير قوله تعالى: " لا تبديل لخلق الله " (1) وكأن هذا إشارة إليه. " وإنما خلقت الجن والإنس ليعبدوني " إشارة إلى قوله