الحاشية على أصول الكافي - رفيع الدين محمد بن حيدر النائيني - الصفحة ٥٠٩
2. محمد بن يحيى وعلي بن إبراهيم جميعا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم وعبد الله بن يزيد جميعا، عن رجل من أهل البصرة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الاستطاعة، فقال: " أتستطيع أن تعمل ما لم يكون؟ " قال: لا، قال: " فتستطيع أن تنتهي عما قد كون؟ " قال: لا، قال، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): " فمتى أنت مستطيع؟ " قال: لا أدري، قال: فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): " إن الله خلق خلقا، فجعل فيهم آلة الاستطاعة، ثم لم يفوض إليهم، فهم مستطيعون للفعل وقت الفعل مع الفعل إذا فعلوا ذلك الفعل، فإذا لم يفعلوه في ملكه لم يكونوا مستطيعين أن يفعلوا فعلا لم يفعلوه، لأن الله - عز وجل - أعز من أن يضاده في ملكه أحد ". قال البصري، فالناس مجبورون؟ قال: " لو كانوا
____________________
قوله: (أتستطيع أن تعمل ما لم يكون؟) أي أتستطيع أن تعمل ما لم يتم أسباب وجوده؟ وكيف يكون مستطيعا في وقت عدم شيء لعدم استجماع شرائط وجوده لذلك الشيء في ذلك الوقت، وعدم سبق ما لا يدخل في الوجود إلا بسبقه كمشية الله وإرادته وقدره، وكالمعدات المهيئة للمواد؟!
وقوله: (فتستطيع أن تنتهي عما قد كون؟) أي في زمان وجوده بأسبابه الموجبة له، وكيف يكون الاستطاعة لترك ما قد أوجد بأسبابه الموجدة في زمان وجوده، والاستطاعة للشيء التمكن منه وانقياد حصول ذلك الشيء له، واستطاعة أحد الطرفين لا تستلزم استطاعة الآخر بخلاف القدرة؛ فإن القدرة على أحد الطرفين يلزمها القدرة على الآخر، والقدرة على الفعل تسبقه بمراتب بخلاف الاستطاعة.
وقوله: (فجعل فيهم آلة الاستطاعة) أي آلة حصولها وما به يتم حصولها (ثم لم يفوض إليهم) الأمر في حصول الاستطاعة وحصول ما أعطاهم آلة استطاعته (فهم مستطيعون للفعل وقت الفعل مع وجود الفعل) بإتيانهم به (فإذا لم يفعلوه في ملكه) وسلطانه الشامل لهم - وهم تحت قدرته وإرادته وقدره وقضائه - (لم يكونوا مستطيعين أن يفعلوا فعلا لم يفعلوه) ولم يكن في مشيته وإرادته وقدره؛ لأنه تعالى أعز من أن يضاده ويعارضه أحد في ملكه بالتصرف بإيجاد ما لم يوجده سبحانه ولم يشأه ولم يقدره.
(٥٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 504 505 506 507 508 509 510 511 512 513 514 ... » »»
الفهرست