محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمره بالصبر والرفق، فقال: (وإصبر على ما يقولون وإهجرهم هجرا جميلا وذرني والمكذبين أولي النعمة) وقال تبارك وتعالى: (إدفع بالتي هي أحسن (السيئة) فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقيها إلا الذين صبروا وما يلقيها إلا ذو حظ عظيم)، فصبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى نالوه بالعظائم ورموه بها، فضاق صدره فأنزل الله عز وجل (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين) ثم كذبوه ورموه، فحزن لذلك، فأنزل الله عز وجل (قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون. ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا حتى أتيهم نصرنا) فألزم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه الصبر، فتعدوا فذكروا الله تبارك وتعالى وكذبوه، فقال: قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكر إلهي، فأنزل الله عزوجل (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب، فاصبر على ما يقولون) فصبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع أحواله ثم بشر في عترته بالأئمة ووصفوا بالصبر، فقال: جل ثناؤه: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآيتنا يوقنون) فعند ذلك قال (صلى الله عليه وآله وسلم): الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، فشكر الله عز وجل ذلك له، فأنزل الله عز وجل (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كان يعرشون) فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه بشرى وانتقام، فأباح الله عز وجل له قتال المشركين فأنزل الله (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) فقتلهم الله على يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحبائه وجعل له ثواب صبره مع ما ادخر له في الآخرة، فمن صبر و احتسب لم يخرج من الدنيا حتى يقر [الله] له عينه في أعدائه، مع ما يدخر له في الآخرة.
* الشرح قوله: (عن القاسم بن محمد الإصبهاني) قال عياض إصبهان سمعناه بفتح الهمزة وحكاه الكبرى بالكسر لاغير (إن من صبر صبر قليلا ومن جزع جزع قليلا) نصب قليلا إما على المصدرية أو على الظرفية أي صبر صبرا قليلا أو صبر زمانا قليلا وهو زمان العمر أو زمان البلية فيه وفيه حث على الصبر لأنه يوجب مع قلته راحة طويلة.
(ثم قال عليك بالصبر في جميع أمورك) الجمع المضاف يفيد العموم خصوصا مع لفظ الجميع فيدل على أن الإنسان في كل ما يصدر منه من الفعل والترك والعقد وكل ما يرد عليه من المصائب والنوائب من قبله تعالى أو من قبل غيره يحتاج إلى الصبر إذ لا يمكنه تحمل ذلك بدون جهاده مع النفس والشيطان وثباته في مقام المجاهدة بالصبر وحبس النفس عليه قال أمير