يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنونهم الآية. ويتحملون في نيران الصبر على فقدان المألوف المرغوب ويصبرون على أذي القوم وعدم وجدان المطلوب، وحالاتهم متفاوتة ويعود حال أعلاهم إلى أن لو صار الحبر مدادا والأشجار أقلاما وعاش الخلائق مخلدين يكتبون أشواقهم إلى يوم التناد لا يستطيعون احصاء ما بهم من الأشواق المبرحة في فؤادهم ومن ثم قيل: من صبر صبر الأحرار نال من فيض الجبار ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وقال الله سبحانه (إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب».
(ان نابته نائبة نابه أمر ينوبه نوبة أصابه والنائبة النازلة والجمع نوائب (صبر لها) لتوجه قلبه اللطيف إلى جمال الله تعالى وجلاله ولا يخطر غير الحق بباله فضلا عن أن يكون مخالفا لطبعه ولو خطر وقتا ما وذاق مرارته تحمل طلبا لرضاه.
(وإن تداكت) الدك الدق وفي التفاعل مبالغة في الشدة والصولة (واستبدل بالعسر يسرا) الظاهر أنه عطف على قهر ولا يتم إلا بتكليف لأن ظاهره أن العسر مدفوع واليسر مأخوذ فلا يناسب الوصل ويمكن أن يكون عطفا على قوله: «وإن تداكت فيكون غاية للصبر وإشارة إلى ما يترتب عليه. وفي بعض النسخ «واستبدل باليسر عسرا» وهو اضح (لم يضرر حريته ان استعبد وقهر واسر) يعني هذه الصفات الشاقة الكريهة على النفوس البشرية لم تدفع حريته أي توجه قلبه إلى الله وصبره في الله على تحمل ثقلها.
(ولم تضرره ظلمة الجب وحشته وما ناله أن من الله عليه) الظاهر أن قوله «وما ناله» عطف على ظلمة الجب ولعل المراد به نوائب الزمان وجور الاخوان وأن قوله «ان من الله عليه» بتقدير اللام أي لأن من الله عليه فيكون تعليلا لقوله لم يضرر في الموضعين وإنما قلنا الظاهر ذلك لاحتمال أن يكون مبتدءا وخبرا، والجملة عطف على لم يضر أو يكون قوله «وما ناله» عطفا عليه وما بعده بيانا لما بتقدير من أو يكون الواو بمعنى مع وفاعل نال حينئذ يوسف (عليه السلام). والعاتي من العتو وهو التجبر والكبر والتجاوز عن الحد والمراد بارساله إرساله إلى الخلق نبيا وبرحم الأمة به نجاتهم عن العقوبة الأبدية بايمانهم به أو من القحط والجوع لحفظه وما زرعوا السنة القحط وادخاره لهم والله أعلم.
(وكذلك الصبر يعقب خيرا) أي كما أن صبر يوسف (عليه السلام) اعقب خيرا عظيما له كذلك صبر كل أحد يعقب خيرا له ومن ثم قيل اصبر تظفر وقيل.
إني رأيت وللأيام تجربة * للصبر عاقبة محمودة الأثر وقل من جد في امر يطالبه * فاستصحب الصبر الا فاز بالظفر