شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٨ - الصفحة ٢٣٣
العالم الحكيم يعلم أن فيضه تعالى (1) غير معقول علم أن ذلك لتقصير في عمله ونقص نفسه ثم عدم تأثير عبادته مدة أربعين سنة في صفاء قلبه مع ما روى أن من عبد الله أربعين يوما خالصا لوجه الله ينفجر في قلبه ينابيع الحكمة إنما هو لفساد في عمله مثل الرياء والحسد أو الفجر والعجب أو غيرها، ومنه يعلم أن العمل بدون تصفية القلب غير مقبول (2) بلوغه حد الكمال من أن يطهر نفسه من الفساد وينزه ظاهره وباطنه عن العلائق ويوجه قلبه إلى الله ويتفكر في معاني الكلمات التي يناجيه بها وأسرار الآيات التي يتلوها ويعترف بالعجز والتقصير.
فإنه إذا كان كذلك في جميع الأوقات أو في أكثرها بلغ قبول الحق وأدرك وصاله حتى تصير إرادته كارادته لا يتخلف عنها المراد، والله ولى التوفيق. (فأوحى الله تبارك وتعالى إليه) ظاهره بلوغ

1 - قوله «قوله لأن العالم الحكيم يعلم أن فيضه» مذهب الحكماء أن وجود الممكن عن مبدئه أما أن يتوقف على استعداد مادة لقبوله كوجود أشخاص الحيوان والنبات وحينئذ لا يوجد إلا بعد حصول ذلك الاستعداد، ولا يتأخر عن الاستعداد البتة. فإذا صار البذر مستعدا لأن يوجد في الصورة النباتية وجد من غير بطؤ وريث لأن فيضه تعالى عام لا يتأخر عن قابلية المستفيض البتة، وإن لم يكون وجود الممكن متوقفا على الاستعداد.
بل كان وجوده ممكنا دائما لم يتأخر وجوده الا عن مشية الله تعالى لأن فيضه عام لكل قابل كنور الشمس فإنه يضيء كل شيء يمر في مقابله، ولا يتوقف إضاءته الا على المقابلة، وعليهذا فإذا عمل المؤمن عملا مؤثرا في تهذيب نفسه وحصول ملكة صالحة في قلبه من غير مانع ومفسد كالعجب والرياء فلا معنى لعدم قبوله كما لا يحتمل عدم تأثير الماء في نمو النباتات وعدم تأثير الغذاء في شبع الحيوان. (ش) 2 - قوله «بدون تصفيه القلب غير مقبول» ويدل عليه أيضا قوله تعالى «يوم لا ينفع ما ولا بنون الامن أتى الله بقلب سليم» ويؤيد هذا الكلام ما ذكرناه سابقا من أن العمل سبب بالواسطة للسعادة الأخروية لا بالمباشرة.
وإن السبب المباشر القريب هو الملكة الصالحة الراسخة، وإنما أمر بهذه الأعمال الظاهرة لتحصيل تلك الملكة والغرض الأصلي فيها تحصيل السعادة في الآخرة ومن زعم أن حكمة أنزال الكتب وإرسال الرسل وتشريع الشرائع حفظ نظم هذا العالم وحسن سياسة العباد فهو بمعزل عن الحق قاصر النظر على الماديات «يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهو عن الآخرة هم غافلون». وقال تعالى «ونفس وما سويها فألهمها فجورها وتقويها قد أفلح من زكيها وقد خاف من دسيها» فبين أن فلاح نفس الإنسان بالتزكية واستدل عليها بأن نفسه مجردة موجودة بأمر الله تعالى ويعرف الفجور والتقوى بإلهامه تعالى وكل شيء كان له صفة من الصفات أيا ما كانت فإنما جعلت فيه لغاية يتوخاها البتة بتلك الصفة وليس إدراك الحسن والقبح وإستبشاع المنكرات وتحسين المعروفات بالهام خالقه عبثا في وجود الإنسان، بل لا بد من أن يكون لغاية هي تزكية نفس كما أن وجود رغبة أو رهبة في كل موجود إنما هو لأن ما يرغب فيه غايته ومكمل لوجوده كرغبة الشجر إلى نور الشمس وجعل إدراك الفجور والتقوى في طبيعة النفس لأن فلاحها بتزكيتها وذكرنا شيئا يتعلق بذلك في المجلد الرابع ص 285. (ش)
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب طينة المؤمن والكافر 3
2 باب آخر منه 15
3 باب آخر منه 21
4 باب 32
5 باب 35
6 باب 36
7 باب 42
8 باب 43
9 باب 44
10 باب 46
11 باب الإخلاص 49
12 باب الشرائع 57
13 باب دعائم الإسلام 61
14 باب 74
15 باب آخر منه 85
16 باب 87
17 باب 101
18 باب السبق إلى الإيمان 121
19 باب درجات الإيمان 130
20 باب آخر منه 135
21 باب نسبة الإسلام 138
22 باب خصال المؤمن 143
23 باب 151
24 باب صفة الإيمان 159
25 باب فضل الإيمان على الإسلام واليقين على الإيمان 163
26 باب حقيقة الإيمان واليقين 168
27 باب التفكر 174
28 باب المكارم 178
29 باب فضل اليقين 186
30 باب الرضا بالقضاء 196
31 باب 206
32 باب حسن الظن بالله عز وجل 227
33 باب الطاعة والتقوى 235
34 باب العفة 251
35 باب اجتناب المحارم 253
36 باب أداء الفرائض 257
37 باب استواء العمل والمداومة عليه 259
38 باب العبادة 261
39 باب النية 265
40 باب 269
41 باب الإقتصاد في العبادة 271
42 باب 274
43 باب الصبر 277
44 باب الشكر 291
45 باب حسن الخلق 303
46 باب حسن البشر 312
47 باب الحياء 317
48 باب العفو 319
49 باب كظم الغيظ 323
50 باب الحلم 328
51 باب الصمت وحفظ اللسان 333
52 باب المداراة 343
53 باب الرفق 347
54 باب التواضع 354
55 باب 363
56 باب ذم الدنيا والزهد فيها 372
57 باب باب القناعة 407
58 باب الكفاف 412
59 باب تعجيل فعل الخير 415
60 باب الإنصاف والعدل 419
61 استدراك 428