الإلهية وتفكر في الهيبة الربوبية حصل له خوف وخشية يوجب حفظ نفسه عن المخالفة وميلها إلى الطاعة وترك المعصية ويسمى ذلك الخوف أو الحفظ أو الميل أو الجميع بالتقوى وهي تقوى القلوب المذكورة في الآيات والروايات وقد يسمى أثر ذلك وهو فعل الطاعات وترك المنهيات بالتقوى أيضا. والفرق بينهما بالمعنى الأول والورع وهو ترك ما ينبغي تركه ظاهر.
أما الفرق بينها بالمعنى الثاني وبينه ففيه خفاء يمكن رفعه بتخصيص التقوى بفعل الطاعات أو بتعميم الترك في الورع بحيث يشمل ترك المباحات بل الأعم منها أو بأن ذكر الورع بعد التقوى من ذكر العام بعد الخاص أن كانت التقوى عبارة عن مجموع الفعل والترك أو بالعكس إن كانت عبارة عن كال واحد منهما ثم نقول للورع خمسة أقسام ذكرها أرباب القلوب ولا بأس أن نشير إليها وإن ذكرناها آنفا لأن ذكرها هنا لا يخلو من فائدة ما: الأول: ورع العادلين هو ترك الفسوق.
الثاني: ورع الصالحين وهو ترك ما يحتمل التحريم ولكن رخص في تناوله بناء على الظاهر كطعام الملوك وعمالهم وعطاياهم.
الثالث: ورع المتقين وهو ترك ما ليس في حليته شبهة خوفا من أن يؤدي إلى المحرم أو الشبهة.
الرابع: ورع الصديقين وهو ترك ما ليس في حليته شبهة ولا يخاف من أن يؤدي إلى حرام أو شبهة لعدم تعلقه بالدين كالمباحات أو لاتصاله بمن يكره إتصاله به كما نقل أن ذا النون المصري لحقه جوع وهو مسجون فأرسلت إليه امرأة صالحة بطعام على يدي السبحان فأبي أن يأكله واعتذر بأنه وصل إليه يدي ظالم، يعني أن القوة التي أوصلت إليه الطعام لم تكن طيبة، ومن ذلك ما نقل أن بعض العرفاء كان لا يشرب الماء من الأنهار التي حفرتها الامراء فالماء وإن كان مباحا في نفسه لكنه رأى أن النهر حفر بأجرة دفعت من مال حرام.
الخامس: ورع المقربين وهو صرف القلب عن الاشتغال بما سواه تعالى، وينبغي أن يعلم أن الورع كما ذكره بعض أهل التحقيق قد يشبه بالوسواس كمن وجد ثوبين أحدهما لم تلحقه نجاسة والآخر لحقته وغسلت فيترك الصلاة بالمغسول لأنه مسته نجاسة وكمن قبل أحد يده فيغسلها ويقول أن الخروج من عهدة التكليف بيقين على غسلها لأن من الجايز أن يكون بيد من مسه أو بقي من قيل يده نجاسة لا سيما العوام ومن لا يتحفظ ولا يعرف أحكام الطهارة والنجاسة والظاهر أن أمثال هذه الأمور من الوسواس إلا إذا كان المس ممن لا يتحفظ ولا يعرف أحكام الطهارة والنجاسة فإن الظاهر أن الإجتناب منه من الورع.
وقال بعض العامة كان هذا من باب الورع وإنما الوسوسة مثل ما يتفق لبعض الناس من اكثار الماء للوضوء وإكثار التدلك ونحو ذلك والمراء بالاجتهاد المبالغة في طلب الدين وأحكامه