* الشرح قوله: (قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول حسن الظن بالله أن لا ترجو إلا الله ولا تخاف إلا ذنبك) يعني حسن الظن أن ترجو الفوز بالسعادة الدنيوية من حول الله وقوته وتترقب النعماء الأخروية من فضله ورحمته لامن محض عملك ومجرد سعيك فإن العمل وإن كان في حد الكمال قال في جانب عزته، ناقص في جنب عظمته، لا يوجب الوصول إلى كمال قربه ونعمته، وأن تخاف من ذنبك فإنه يؤديك إلى مقام الوعيد لامن الله تعالى فإنه ليس بظلام للعبيد وفيه إشارة إلى أن حسن الظن مركب من الرجاء والخوف وبه يشعر لفظه أيضا فلو تخلف أحدهما عن الاخر كان ذلك خروجا عن التوسط بالإفراط والتفريط المذمومين عقلا ونقلا ويشير إليه أيضا قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «العبد إنما يكون حسن ظنه بربه على قدر خوفه من ربه وإن أحسن الناس ظنا بالله أشدهم خوفا» ومراده (عليه السلام) في قوله على قدر خوفه من ربه على قدر خوف من عذاب ربه لأجل ذنبه فلا ينافي هذا الخبر، وبالجملة المستفاد من هذين الخبرين إن حسن الظن والخوف متلازمان لأنهما معلولا علة واحدة وهي معرفة الله سبحانه إلا أن كل واحد منهما يستند إلى صنف من المعرفة ونوع من الاعتبار يكون هو مبدؤه، أما حسن الظن يعني الرجاء فإن العبد إذا عرف ربه ولا حظ غناه عن العالمين وعن طاعتهم بحيث لا يزيد ذلك في ملكه مثقال ذرة وإعتبر جميع أسباب نعمه عليهم ظاهرة وباطنة جلية وخفية مما هو ضروري لهم كآلات التغذية والتنمية ونحوهما مما لا يحصى وما لهم حاجة ما كالأظفار ونحوها وما هو غير ضروري ولكن زينة لهم كتقوس الحاجبين واختلاف ألوان العينين وغيرهما وتفكر في صفحات رحمته ولطفه وإحسانه وإنعامه وفي أن العناية الإلهية إذا لم ترض إن يفوتهم تلك النعماء والمزايا في الحاجة والزينة كيف ترضى بسياقهم إلى الهلاك إلا بدى بعد معرفته وتوحيده والإخلاص في عبادته؟
يحصل له بعد تلك الاعتبارات والملاحظات حسن الظن به والرجاء إلى رحمته وعوه وأما الخوف فإنه إذا عرف الله تعالى ولاحظ صفات جلاله وعظمته وتعاليه وسطوته وإستغناءه عن الخلق أجمعين وأنه لو أهلك العالمين لم يبال ولم يمنعه مانع ولم يسأله سائل وتفكر في سخطه وغضبه وعظم رزية مخالفته ومعصية في إخراجه آدم من الجنة بسبب المخالة السهلة مع كمال عزته ونشوه بين الملائكة وسجوده له وإخراج الشيطان من رحمته بسبب مخالفة أمر واحد من أوامره وتكبره على آدم وتفكره في الأمم الماضية وكيفية أخذهم واهلاكهم بسبب المعصية فمنهم من أهلكم بالصيحة ومنهم عن أغرقهم ومنهم من خسف بهم الأرض ومنهم من مسخهم إلى غير