(والبر وبالوالدين) بتعظيمهما وإطاعتهما في كل ما جاز شرعا وعقلا والإحسان إليهما ودفع الأذى عنهما، وأداء ديونهما وطلب الخير لهما حيين وميتين.
(والتعاهد للجيران من الفقراء وأهله المسكنة) أي حفظ حالهم ورعاية أحوالهم وإيصال الخير إليهم وترك أذاهم وتحمل الأذى منهم وعيادة مريضهم وتشييع جنائزهم وعدم التطلع إلى عوراتهم، والفقير والمسكين من ليس له مال ولا كسب يفي بقوت السنة له ولعياله واختلفوا في أن أيهما أسوء حال فقال الأصمعي والشافعي وابن إدريس والشيخ الطوسي في المبسوط والخلاف:
أن الفقير أسوء حالا، وقال الفراء وإن السكيت وثعلب وأبو - حنيفة وابن الجنيد وسلار والشيخ الطوسي في النهاية: أن المسكين أسوء حالا وللطرفين دلائل مذكورة في محلها.
(والغارمين والأيتام) بأداء ديونهم وتفقد أحوالهم ورعاية حقوقهم والرفق بهم والعطف على الفقراء أو على الجريان والأخير أنسب لأنه أعم.
(وكانوا امناء عشائرهم في (جميع) الأشياء) العشائر جمع العشيرة وهو المعاشر، ولما كانت الأمانة عامة مطلوبة من جميع الجوارح والشيء عاما صادقا على جميع أفعالها صادر المقصود أنهم كانوا أمناءهم بجميع الأعضاء في جميع الأفعال.
(حسب الرجل أن يقول أحب عليا) التركيب مثل حسبك درهم أي كافيك، وهو خبر لفظا وإستفهام معنى للإنكار والتوبيخ أي لا يكفيه ذلك ولا ينجيه من العقوبة بدون أن يكون فعالا مبالغا في الفضل ظاهرا وباطنا وتابعا له عليه السلام قولا وعملا، والمحبة والشفاعة وإن كانتا نافعتين في دفع الخلود من النار، ولكنهما لا توجبان عدم الدخول فيها كما نق عن علي (عليه السلام) في حديثه أنه قال: « المؤمن المسرف على نفسه لا يدري (يعني عند الموت) ما يؤال إليه حاله يأتيه الخبر مبهما مخوفا لم يسويه الله بأعدائنا ويخرجه من النار بشفاعتنا فاعملوا وأطيعوا ولا تتكلوا (يعني على شفاعتنا) ولا تستصغروا عقوبة الله فان من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب الله بثلاثمائة سنة.
(فاتقوا الله واعملوا لما عند الله) قد عرفت أن المؤمن لا يخلو من خوف ورجاء وأن الخوف يقتضى ترك المنهيات وهو التقوى وأن الرجاء يقتضى فعل الطاعات وإنما قدم التقوى لأن تخلية النفس عن الرذائل أقدم من تحليته بالفضائل.
(وأكرمهم عليه أتقاهم) كما قال عز وجل (إن أكرمكم عند الله أتقيكم» والمراد بالكرامة القرب منه تعالى والاستحقاق لقبول فيضه الدنيوي والأخروي مثل الجنة ودرجاتها وثمراتها وقطوفها الدانية وغير ذلك مما أعد الله لأوليائه الأبرار وظاهر أن الكرامة لا تحصل لأحد إلا بالتقوى