أنه (ص) صالح أهل أيلة على ثلاثمائة دينار وكانوا ثلاثمائة رجل وعلى ضيافة من يمر بهم من المسلمين وروى الشيخان: خبر: الضيافة ثلاثة أيام وليكن المنزل بحيث يدفع الحر والبرد.
والركن الرابع العاقد وشرط فيه كونه إماما فيعقد بنفسه أو بنائبه. فلا يصح عقدها من غيره لأنها من الأمور الكلية فتحتاج إلى نظر واجتهاد. لكن لا يغتال المعقود له بل يبلغ مأمنه وعليه إجابتهم إذا طلبوا وأمن إذا لم يخف غائلتهم ومكيدتهم فإن خاف ذلك كأن يكون الطالب جاسوسا يخاف شرهم لم يجبهم. والأصل في ذلك خبر مسلم عن بريدة: كان رسول الله (ص) إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه إلى أن قال: فإن هم أبوا فأسألهم الجزية، فإن هم أجابوا فاقبل منهم، وكف عنهم ويستثنى الأسير إذا طلب عقدها فلا يجب تقريره بها. والركن الخامس: المكان ويشترط فيه قبوله للتقرير فيه فيمنع كافر ولو ذميا إقامة بالحجاز وهو مكة والمدينة واليمامة، وطرق الثلاثة وقراها. كالطائف لمكة وخيبر للمدينة فلو دخله بغير إذن الإمام أخرجه منه وعزره إن كان عالما بالتحريم ولا يأذن له في دخولها الحجاز غير حرم مكة إلا لمصلحة لنا: كرسالة وتجارة فيها كبير حاجة فإن لم يكن فيها كبير حاجة لم يأذن له إلا بشرط أخذ شئ من متاعها كالعشر ولا يقيم فيه بعد الاذن له إلا ثلاثة أيام فلو أقام في موضع ثلاثة أيام. ثم انتقل إلى آخر أي وبينهما مسافة القصر وهكذا فلا منع فإن مرض فيه وشق نقله منه، أو خيف منه موته ترك مراعاة لأعظم الضررين فإن مات فيه وشق نقله منه دفن فيه للضرورة نعم الحربي لا يجب دفنه ولا يدخل حرم مكة ولو لمصلحة لقوله: تعالى: * (فلا يقربوا المسجد الحرام) * والمراد جميع الحرم لقوله تعالى: * (وإن خفتم عيلة) * أي فقرا بمنعهم من الحرم. وانقطاع ما كان لكم بقدومهم من المكاسب: * (فسوف يغنيكم الله من فضله) * ومعلوم أن الجلب إنما يجلب إلى البلد لا إلى المسجد نفسه.
والمعنى في ذلك أنهم أخرجوا النبي (ص) منه فعوقبوا بالمنع من دخوله بكل حال. فإن كان رسولا خرج إليه الإمام بنفسه أو نائبه يسمعه، فإن مرض فيه أخرج منه وإن خيف موته، فإن مات فيه لم يدفن فيه فإن دفن فيه نبش وأخرج منه إلى الحل لأن بقاء جيفته فيه أشد من دخوله حيا. ولا يجري هذا الحكم في حرم المدينة لاختصاص حرم مكة بالنسك. وثبت أنه (ص) أدخل الكفار مسجده وكان ذلك بعد نزول براءة. (ويتضمن عقد الذمة) أي الجزية المشتملة على هذه الأركان الخمسة. وقد قال البلقيني: نفس العقد يشمل الايجاب والقبول والقدر المأخوذ والموجب والقابل فجعله متضمنا لغالب الأركان. ثم بين ما تضمنه بقوله: (أربعة أشياء) الأول (أن يؤدوا الجزية عن يد) أي ذلة (وصغار) أي احتقار وأشده على المرء أن يحكم عليه بما لا يعتقده، ويضطر إلى احتماله قاله في الزوائد.
فتؤخذ برفق كسائر الديون ويكفي في الصغار المذكور في آياتها أن يجرى عليه الحكم بما لا يعتقد حله كما فسره الأصحاب بذلك وتفسيره بأن يجلس الآخذ ويقوم الكافر ويطأطئ رأسه ويحني ظهره، ويضع الجزية في الميزان ويقبض الآخذ لحيته ويضرب لهزمتيه. وهما مجتمع اللحم بين الماضغ والاذن من الجانبين مردود بأن هذه الهيئة باطلة ودعوى استحبابها أو وجوبها أشد بطلانا ولم ينقل أن النبي (ص) ولا أحدا من الخلفاء الراشدين فعل شيئا منها. (و) الثاني (أن تجري عليهم أحكام الاسلام) في غير العبادات من حقوق الآدميين في المعاملات وغرامة المتلفات.
وكذا ما يعتقدون تحريمه كالزنا والسرقة دون ما لا يعتقدون تحريمه، كشرب الخمر ونكاح المجوس.