(الشرح) إذا أسر المشركون مسلما فتترسوا به في القتال يتوقون به الرمي ويختفون وراءه في رميهم فقتله رجل من المسلمين بالرمي لم يجب عليه القصاص، لأنه يجوز له رميهم. وأما الدية فقد قال الشافعي رحمه الله في موضع تجب.
وقال في موضع لا تجب. فمن أصحابنا من قال فيه قولان (أحدهما) يجب لأنه ليس من جهته تفريط في الإقامة بينهم فلم يسقط ضمانه (والثاني) لا تجب لان القاتل مضطر إلى رميه، ومهم من علق ضمانه على علم الرامي بأنه مسلم، وإن لم يعلم لم يلزمه ضمانه، لأنه يلزمه أن يتوقاه عن الرمي إذا علمه. ولا يلزمه أن يتوقاه إذا لم يعلم.
وقال أبو إسحاق المروزي: إن عنية بالرمي أي قصده ضمنه، وإن لم يقصده لم يضمنه، وحملهما على هذين الحالين، ومأخذ الشافعي في قوله بالوجوب ما رواه عن عروة بن الزبير قال (كان أبو حذيفة اليمان شيخا كبيرا فرفع في الآكام مع النساء يوم أحد فحرج يتعرض للشهادة فجاء من ناحية المشركين فابتدره المسلمون فتشقوه بأسيافهم وحذيفة يقول (أبى أبى) فلا يسمعونه من شغل الحرب حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بديته).
(مسألة) وجوب الدية في كلا الحالين العمد والخطأ سبق لنا شرحه في الجنايات. أما شبه العمد فقد تقرر وجوبها بحديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا (ألا إن في دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها) وقد أجمع أهل العلم على أن الإبل أصل في الدية، وأن دية الحر مائة منها، وقد دلت الأحاديث الواردة كحديث ابن عمر وحديث عمرو بن حزم وحديث ابن مسعود. وظاهر كلام الخرقي من الحنابلة أن الأصل في الدية الإبل لا غير، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وهو قول طاوس وابن المنذر.
وقال بعض أصحاب أحمد لا يختلف المذهب أصول الدية الإبل والذهب والفضة والبقر والغنم، وهو قول عمر وعطاء وطاوس وفقهاء المدينة السبعة.