جرحا يسيرا لا يخاف منه فوسعه حتى مات. وان طرحه في ماء يمكنه الخروج منه فلم يخرج حتى مات ففيه طريقان. من أصحابنا من قال فيه قولان كالنار.
ومنهم من قال لا تجب قولا واحدا، لان الطرح في الماء ليس بسبب للهلاك، لان الناس يطرحون أنفسهم في الماء للسباحة وغيرها، وإنما حصل الهلاك بمقامه فيه فسقط ضمانه بخلاف النار.
(فصل) وان شد يديه ورجليه وطرحه في ساحل فزاد الماء وهلك فيه نظرت فإن كانت الزيادة معلومة الوجود المد بالبصرة فهو عمد محض ويجب به القصاص، لأنه قصد تغريقه. وإن كان قد يزيد وقد لا يزيد فهو عمد خطأ وتجب به الدية المغلظة، فإن كان في موضع لا يزيد فيه الماء فزاد وهلك فيه فهو خطأ محض وتجب فيه الدية مخففة، وان شد يديه ورجليه وطرحه في أرض مسبعة فقتله السبع فهو عمد خطأ وتجب فيه دية مغلظة، وإن كان في أرض غير مسبعة فقتله السبع فهو خطأ محض وتجب فيه دية مخففة (الشرح) مضى في الجنايات حكم من ألقى آخر في نار أو ماء يغرقه ولا يمكنه التخلص منه اما لكثرة الماء أو النار، واما لعجزه عن التخلص لمرض أو صغر أو كونه مربوطا أو منعه الخروج أو كونه في حفرة لا يقدر على الصعود منها ونحو هذا، أو ألقاه في بئر ذات نفس فمات به عاما بذلك، فهذا كله عمد لأنه يقتل غالبا، وان ألقاه في ماء يسير يقدر على الخروج منه فلبث فيه اختيارا حتى مات فلا قود فيه ولا دية، لان هذا الفعل لم يقتله، وإنما حصل موته بلبثه فيه وهو فعل نفسه فلم يضمنه غيره، وكذلك إذا تركه في نار يمكنه التخلص منها لقلتها أو لكونه في طرف منها يمكنه الخروج بأدنى حركة فلم يخرج حتى مات فلا قود وهل يضمنه؟ فيه طريقان لأصحابنا ووجهان لأصحاب أحمد.
(أحدهما) لا يضمنه لأنه مهلك لنفسه بإقامته فلا يضمنه، كما لو ألقاه في ماء يسير لكن يضمن ما أصابت النار منه (والثاني) يضمنه لأنه جان بالالقاء المفضى إلى الهلاك، وترك التخلص لا يسقط الضمان، كما لو فصده فتترك شد فصاده مع امكانه، أو جرحه فترك