(فصل) ولا تؤخذ الجزية من مجنون لأنه محقون الدم فلا تؤخذ منه الجزية كالصبي، وإن كان يجن يوما ويفيق يوما لفق أيام الإفاقة، فإذا بلغ قدر سنة أخذت منه الجزية لأنه ليس تغليب أحد الامرين بأولى من الآخر فوجب التلفيق، وإن كان عاقلا في أول الحول ثم جن في أثنائه وأطبق الجنون ففي جزية ما مضى من أول الحول قولان، كما قلنا فيمن مات أو أسلم في أثناء الحول.
(فصل) ولا تؤخذ الجزية من امرأة لما روى أسلم أن عمر رضي الله عنه كتب إلى امراء الجزية ان لا تضربوا الجزية على النساء ولا تضربوا إلا على من جرت عليه الموسى، ولأنها محقونة الدم فلا تؤخذ منها الجزية كالصبي، ولا تؤخذ من الخنثى المشكل لجواز أن يكون امرأة، وان طلبت المرأة من دار الحرب أن تعقد لها الذمة وتقيم في دار الاسلام من غير جزية جاز لأنه لا جزية عليها ولكن يشترط عليها أن تجرى عليها أحكام الاسلام، وإن نزل المسلمون على حصن فيه نساء بلا رجال فطلبن عقد الذمة بالجزية ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يعقد لهن لان دماءهن محقونة، فعلى هذا يقيمون حتى يفتحوا الحسن ويستبقوهن (والثاني) أنه يجوز أن يعقد لهن الذمة وتجرى عليهن أحكام المسلمين كما قلنا في الحربية إذا طلبت عقد الذمة، فعلى هذا لا يجوز سبيهن وما بذلن من الجزية الهدية، وان دفعن أخذ منهن وان امتنعن لم يخرجن من الذمة (فصل) ولا يؤخذ من العبد ولا من السيد بسببه لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال (لا جزية على مملوك) ولأنه لا يقتل بالكفر فلم تؤخذ منه الجزية كالصبي والمرأة ولا تؤخذ ممن نصفه حر ونصفه عبد لأنه محقون الدم فلم تؤخذ منه الجزية كالعبد.
ومن أصحابنا من قال فيه وجه آخر أنه يؤخذ منه بقدر ما فيه من الحرية لأنه يملك المال بقدر ما فيه من الحرية، وان أعتق العبد نظرت فإن كان المعتق مسلما عقدت له الذمة بما يقع عليه التراضي من الجزية، وإن كان ذميا ففيه وجهان (أحدهما) أنه يستأنف له عقد الذمة بما يقع عليه التراضي من الجزية