فإن حاكم البلد الذي فيه القاتل إذا ثبت عنده القتل يكتب إلى حاكم البلد الذي فيه العاقلة ليقسم الدية عليهم، فإن كان بعض العاقلة حضورا في بلد القاتل وبعضهم غائبا عنه في بلد آخر نظرت فإن حضر معه الأقربون إليه، وأمكن أن يحمل ثلث الدية على الأقربين لم يحمل على من بعدهم، وإن لم يكن حمل ثلث الدية على الأقربين حمل على من بعدهم، وإن كانوا غائبين، وبهذا قال أحمد وأصحابه وأبو حنيفة. وإن كان جماعة من العاقلة في درجة واحدة وبعضهم حاضر في بلد القاتل وبعضهم غائب عنه في بلد آخر، فإن لم يكن في الحضور سعة لاستغراق الدية ففيه قولان (أحدهما) أن الحاكم يقسم الدية على الحاضرين دون الغائبين، وهو قول مالك رضي الله عنه.
(والثاني) تقسم الدية على الجميع، وبه قال أبو حنيفة وأحمد، فان حضر معه الأبعدون وغاب الأقربون، فاختلف أصحابنا فيه، فقال الشيخ أبو إسحاق والمسعودي هي على القولين في التي قبلها، وقال الشيخ أبو حامد وأكثر أصحابنا يقدم الأقربون قولا أحدا، لأنه مبنى على التعصيب، وكل من قرب كان أولى كالميراث.
إذا ثبت هذا فقد قال الشافعي رضي الله عنه: ولا يقدم نجم الا بعد حلوله وجملة ذلك أن الدية إذا وجبت على العاقلة فإن كانت الإبل موجودة معهم أو في بلدهم بثمن مثلها عند الحول وجبت عليهم أن يجمعوا ما وجب على كل واحد منهم ويشتروا به إبلا فإن كانت معدومة أو موجودة بأكثر من ثمن مثلها انتقلوا إلى بدلها، وبدلها في قوله القديم اثنا عشر ألف درهم أو ألف مثقال، وفى قوله الجديد قيمتها، فإذا قلنا: تجب قيمتها فإنها تقوم عليهم عند حلول الحول أقل إبل لو بذلوها لزم الولي قبول ذلك، فان أخذ الولي القيمة ثم وجدت الإبل لم يكن له المطالبة بالإبل، لان الذمة قد برئت بالقبض، وان قومت الإبل ثم وجدت الإبل قبل قبض القيمة كان للولي أن يطالب بالإبل، لان حقه في الإبل لم يسقط بالتقويم، والله تعالى أعلم بالصواب