هذا أكثر أهل العلم، وهذا قول مالك وأحمد وأصحاب الرأي، وحكى بعضهم عن مالك وأبي حنيفة أن للفقير مدخلا في التحمل، وذكره أبو الخطاب رواية عن أحمد لأنه من أهل النصرة كالغنى. والصحيح الأول لان العاقلة إنما تحمل الدية عن القاتل على طريق الرفق والمواساة، والفقير ليس من أهل المواساة، ولان الدية إنما نقلت إلى العاقلة تخفيفا عن القاتل لئلا يجحف بماله، فلو أوجبنا ذلك على الفقير لدفعنا الضرر على القاتل وألحقناه بالفقير، والضرر لا يزال بالضرر ويجب على المتوسط ربع دينار مثقال لأنه لا يمكن ايجاب الكسر عليه لئلا يجحف به فقدر ما يؤخذ منه بربع دينار، لأنه ليس في حد التافه.
وهذا إحدى الروايتين عن أحمد لان اليد لا تقطع في الشئ التافه، على ما ورد في قول عائشة وقد ثبت أن اليد لا تقطع بدون ربع دينار، فإذا كان الدينار نحو خمسة عشر جراما وكان الجرام من عيار 21 يساوى 90 قرشا كان ربع الدينار يساوى ثلاثة جنيهات مصرية وثلثا ونحو عشرة دولارات أو ما يقابلها من عملات ونقود، ويجب على الغنى نصف دينار، لأنه لا يجوز أن يكون ما يؤخذ من الغنى والمتوسط، واحدا فقدر ما يؤخذ من الغنى بنصف دينار لأنه أول قدر يؤخذ منه في زكاة الذهب.
إذا ثبت هذا فهل يجب هذا القدر على المتوسط والغنى مقسوما على الثلاث سنين أو يجب هذا القدر في كل سنة من الثلاث سنين؟ فيه وجهان (أحدهما) أن هذا القدر يجب مقسوما في ثلاث سنين لا غير، فعلى هذا لا يجب على المتوسط أكثر من ربع دينار في كل سنة نصف سدس دينار، ويجب على الغنى نصف دينار في ثلاث سنين، في كل سنة سدس دينار، لان الشافعي رضي الله عنه قال: يحمل من كثر ماله نصف دينار، وهذا يقتضى أن هذا جميع ما يحمله، ولان ايجاب ما زاد على ذلك عليه يجحف به (والثاني) وهو الأصح أن هذا القدر يجب في كل سنة من الثلاث سنين، فيكون جميع ما يجب على المتوسط في الثلاث سنين ثلاثة أرباع دينار، وجميع ما يجب على الغنى في الثلاث سنين دينار أو نصف، لان الشافعي رحمه الله قال: