يحمل الغنى نصف دينار والمتوسط ربع دينار حتى يشترك النفر في بعير. وظاهر هذا أنهم يحملون هذا القدر كل سنة من الثلاث، ولأنه حق يتعلق بالحول على سبيل المواساة فتكرر بتكرر الأحوال كالزكاة.
إذا ثبت هذا فإن الجماعة من العاقلة يشتركون في شراء بعير، لان الواجب عليهم الإبل لا الدنانير. هذا مذهبنا وقال مالك وأحمد: يحملون قدر ما يطيقون، فعلى هذا لا يتقدر شرعا وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم فيفرض على كل واحد قدرا يسهل ولا يؤذى، لان التوقيت لا يثبت إلا بتوقيف، ولا يثبت بالرأي والتحكم، ولا نص في هذه المسألة فوجب الرجوع فيها إلى اجتهاد الحاكم كمقادير النفقات. وعن أحمد رواية أخرى كمذهبنا.
وقال أبو حنيفة: الفقير والمتوسط والغنى سوا، فأكثر ما يحمله الواحد منهم أربعة دراهم وأقله ليس له حد. واختار ابن قدامة من مجتهدي الحنابلة استواءهم في الواجب كاستوائهم في القرابة فكانوا سواء كما لو قلوا وكالميراث.
دليلنا أنه حق مخرج على وجه المواساة فاختلف بكثرة المال وقلته كالزكاة، ويعتبر حال كل واحد منهم في البلوغ والعقل واليسار والاعسار والتوسط عند حلول الحول كما يعتبر النصاب في آخر الحول. فإن كان معسرا عند حلول الحول لم يجب عليه شئ، فإن أيسر بعد ذلك لم يجب عليه شئ من الثلث الواجب قبل يساره فإن كان موسرا عند حلول الحول الثاني وجب عليه، وإن كان معسرا عند حلول الحول فأعسر قبل دفع ما عليه كان دينا في ذمته إلى أن يوسر، لأنه قد وجب عليه، وإن مات واحد منهم بعد الحول وهو موسر لم يسقط عنه، بل يجب قضاؤه من تركته.
وقال أبو حنيفة (يسقط) دليلنا أنه مال استقر وجوبه في حال الحياة، فلم يسقط بالموت كالدين.
(مسألة) قال الشافعي رضي الله عنه (ومعرفة العاقلة أن ينظر إلى إخوته لأبيه وأمه فيحملهم) وجملة ذلك أن الحاكم إذا أراد قسمة العقل فإنه يبدأ بالاخوة للأب والام وللأب، لأنهم أقرب العاقلة، فيؤخذ من الغنى منهم