وان كلمه وهو أصم فلم يسمع للصم فقيه وجهان. أحدهما يحنث لأنه كلمه وان لم يسمع فحنث، كما لو كلمه فلم يسمع لاشتغاله بغيره. والثاني لا يحنث وهو الصحيح لأنه كلمه وهو لا يسمع، فأشبه إذا كلمه وهو غائب، وان كاتبه أو راسله ففيه قولان:
قال في القديم يحنث. وقال في الجديد لا يحنث. وأضاف إليه أصحابنا: إذا أشار إليه، فجعلوا الجميع على قولين، أحدهما يحنث. والدليل عليه قوله عز وجل " وما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا " فاستثنى الوحي وهو الرسالة من الكلام فدل على أنها منه. وقوله عز وجل " قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام الا رمزا " فاستثنى الرمز وهو الإشارة من الكلام، فدل على أنها منه، ولأنه وضع لافهام الآدميين فأشبه الكلام.
والقول الثاني أنه لا يحنث لقوله عز وجل " فإما ترين من البشر أحدا فقولي انى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا " ثم قال " يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا، فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا " فلو كانت الإشارة كلاما لم تفعله، وقد نذرت أن لا تكلم. ولان حقيقة الكلام ما كان باللسان، ولهذا يصح نفيه عما سواء بأن نقول: ما كلمته وإنما كاتبته أو راسلته أو أشرت إليه، ويحرم على المسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، لقوله عليه السلام " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، والسابق أسبقهما إلى الجنة " وان كاتبه أو راسله ففيه وجهان (أحدهما) لا يخرج من مأثم الهجران، لان الهجران ترك الكلام فلا يزول الا بالكلام (والثاني) وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنه يخرج من مأثم الهجران، لان القصد بالكلام إزالة ما بينهما من الوحشة، وذلك يزول بالمكاتبة والمراسلة (الشرح) قوله تعالى " وما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا " سبب ذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه ان كنت نبيا