وإن كان الولد بالغا صحيحا محتاجا غير مكتسب ففيه طريقان. من أصحابنا من قال فيه قولان كالوالدين. ومنهم من قال لا تجب نفقته قولا واحدا، لان حرمة الوالد آكد فاستحق مع الصحة، والولد أضعف حرمة فلا يستحق مع الصحة. هذا مذهبنا وقال أبو حنيفة: إذا بلغت الابنة لم تسقط نفقتها حتى تزوج لأنه لا يمكنها الاكتساب فهي كالصغيرة. ودليلنا إن كان معنى أسقط نفقة الابن أسقط نفقة الابنة كاليسار، وما ذكره فلا يصح لأنه يمكنها أن تعمل كاتبة أو حائكة أو عاملة في مصانع الدواء أو مدرسة أطفال أو ما إلى ذلك من أعمال مع التصون والتحشم وطلب الرزق الحلال، وقد كانت المرأة على عهد أبي حنيفة تشتغل بالغزل وتبيعه.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) فإن كان للذي يستحق النفقة أب وجد أو جد وأبو جد وهما موسران، كانت النفقة على الأقرب منهما، لأنه أحق بالمواساة من الابعد، وإن كان له أب وابن موسران ففيه وجهان (أحدهما) أن النفقة على الأب لان وجوب النفقة عليه منصوص عليه.
وهو قوله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ووجوبها على الولد ثبت بالاجتهاد.
(والثاني) أنهما سواء لتساويهما في القرب والذكورية، وإن كان له أب وأم موسران كانت النفقة على الأب لقوله تعالى (فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن) فجعل أجرة الرضاع على الأب. وروت عائشة رضي الله عنها " أن هندا أم معاوية جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم فهل على في ذلك من شئ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف، ولان الأب ساوى الأم في الولادة وانفرد بالتعصيب فقدم.