وروينا أن أبا بكر الصديق رضى الله تعالى عنه حلف لا ينفق على مسطح بعد الذي قال لعائشة ما قال، وكان من جملة أهل الإفك الذين تكلموا في عائشة رضي الله عنها فأنزل الله تعالى " ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا " واليمين على ذلك مانعة من فعل الطاعة أو حاملة على فعل المكروه فتكون مكروهة ويمكن أن يرد على هذا أنها لو كانت مكروهة لأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الاعرابي الذي سأله عن الصلوات فقال: هل على غيرها؟ فقال: لا إلا أن تطوع فقال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها ولان أنقص منها " ولم ينكر عليه بل قال " أفلح الرجل إن صدق " ونجيب بأنه لا يلزم من هذا جواز الحلف على ترك المندوبات، إذ أن اليمين على ترك التطوع لا تزيد على تركها، ولو تركها لم ينكر عليه، ويكفي في ذلك بيان أن ما تركه تطوع، ولأن هذه اليمين إن تضمنت ترك المندوب فقد تناولت فعل الواجب والمحافظة عليه كله بحيث لا ينقص منه شيئا، وهذا في الفضل يزيد على ما قابله من ترك التطوع، فيترجح جانب الاتيان بها على تركها فيكون من قبيل المندوب فكيف ينكر؟ ولان في الاقرار على هذه اليمين بيان حكم محتاج إليه ألا وهو بيان أن ترك التطوع غير مؤاخذ به، فلو أنكر على الحالف لحصل ضد هذا وتوهم كثير من الناس لحوق الاثم بتركه يفوت الغرض.
ومن قبيل المكروه الحلف في البيع والشراء ففي سنن ابن ماجة عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن كعب بن مالك عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياكم والحلف فإنه ينفق ثم يمحق " أي منفقة للسلعة ممحقة للبركة.
قال المصنف رحمه الله.
(فصل) وتكره اليمين بغير الله عز وجل، فإن حلف بغيره كالنبي والكعبة والآباء والأجداد لم تنعقد يمينه، لما روى ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان حالفا فلا يحلف الا بالله تعالى " وروى عن عمر رضي الله عنه قال " سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلف بأبي