ان هذا كلام عجيب وفهم للآيات غريب، وان الذي يناسب مقام النبوة أن يكون أبوب عليه السلام بعث في قوم كان الشيطان يعبث بعقولهم، فكان كلما آمن به فريق منهم ارتد وانحاز إلى الضلالة فشكا لربه هذا العناء " انى مسني الشيطان بنصب وعذاب " فقال له ربه " ثبت قدمك على دعوتنا وتقدم بخطى سريعة ثابتة إلى الامام، وهذا هو الذي يفيده معنى الركض بالرجل. ففي هذا إزالة لما يمسك من لغوب ونصب وتنقية لما تعانيه من عناد قومك من وساوس الشيطان، وشراب هنئ لك يشرح صدرك، ويجلو عنك الضيق والحرج وخذ بيدك غصنا فلوح به على وجوه الناس ولا تأثم ولا تغلظ، لان الحنث هو الاثم. قال تعالى " وكانوا يصرون على الحنث العظيم " ومما استقر في الفطر وارتكز في الطباع أن الغصن الرطب كغصن الزيتون مثلا يضرب به المثل في الأمم بالسلام. والله أعلم.
أما أحكام الفصل فإنه لا يجوز أن يضرب الرجل امرأته فوق حد الأدب، لقوله صلى الله عليه وسلم " واضربوهن ضربا غير مبرح " وقد اختلف الفقهاء في هذا الحكم الذي فهموه من الآية، هل هو عام أو خاص بأيوب وحده؟ فروى عن مجاهد أنه عام وحكى عن القشيري أن ذلك خاص بأيوب. وحكى المهدوي عن عطاء بن أبي رباح أن ذلك حكم باق، وأنه إذا ضرب بمائة قضيب ونحوه ضربة واحدة بر وروى نحوه الشافعي رضي الله عنه. وروى نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم في المقعد الذي حملت منه الوليدة. وأمر أن يضرب بعثكول فيه مائة شمراخ ضربة واحدة. وقال القشيري وقيل العطاء هل يعمل بهذا اليوم؟ فقال ما أنزل القرآن الا ليعمل به ويتبع.
وروى عن عطاء أنها لأيوب خاصة. وكذلك روى أبو زيد عن ابن القاسم عن مالك " من حلف ليضربن عبده مائة فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبر وقال القرطبي، وقال بعض علمائنا - يريد مالك - قوله تعالى " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " أي ان ذلك منسوخ بشريعتنا