تعالى لهذه الأمة القود في القتل، وجعل لهم العفو عنه على مال تخفيفا منه ورحمة ومن الدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (فمن قتل بعد قتيلا فأهله بين خيرتين ان أحبوا قتلوا وان أحبوا أخذوا الدية) ولم يعتبر رضى القاتل. وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال (أولى مخير في ذلك بين القتل والدية) ولا مخالف له في الصحابة فدل على أنه اجماع قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) وإن كان القصاص لجماعة فعفا بعضهم سقط حق الباقين من القصاص لما روى زيد بن وهب أن عمر رضي الله عنه أتى برجل قتل رجلا، فجاء ورثة المقتول ليقتلوه، فقالت أخت المقتول وهي امرأة القاتل قد عفوت عن حقي، فقال عمر رضي الله عنه عتق من القتل) وروى قتادة رضي الله عنه (أن عمر رضي الله عنه رفع إليه رجل قتل رجلا فجاء أولاد المقتول وقد عفا أحدهم، فقال عمر لابن مسعود رضي الله عنهما وهو إلى جنبه ما تقول؟ فقال إنه قد أحرز من القتل، فضرب على كتفه وقال كنيف ملئ علما) ولان القصاص مشترك بينهم وهو مما لا يتبعض، ومبناه على الاسقاط فإذا أسقط بعضهم حقه سرى إلى الباقي كالعتق في نصيب أحد الشريكين وينتقل حق الباقين إلى الدية لما روى زيد بن وهب قال دخل رجل على امرأته فوجد عندها رجلا فقتلها، فاستعدى إخوتها عمر، فقال بعض إخوتها قد صدقت بحقي فقضى لسائرهم بالدية، ولأنه سقط حق من لم يعف عن القصاص بغير رضاه فثبت له البدل مع وجود المال كما يسقط حق من لم يعتق من الشريكين إلى القيمة (فصل) وان وكل من له القصاص من يستوفى له ثم عفا وقتل الوكيل ولم يعلم بالعفو، ففيه قولان (أحدهما) لا يصح العفو، لأنه عفا في حال لا يقدر الوكيل على تلاقى ما وكل فيه، فلم يصح العفو، كما لو عفا بعد ما رمى الحربة إلى الجاني (والثاني) يصح لأنه حق له فلا يفتقر عفوه عنه إلى علم غيره كالابراء من الدين، ولا يجب القصاص على الوكيل، لأنه قتله وهو جاهل بتحريم القتل.