" تقاس الجراحات ثم يتأتى بها سنة ثم يقضى فيها بقدر ما انتهت إليه " وفي إسناده ابن لهيعة. وكذا رواه جماعة من الضعفاء عن أبي الزبير وقد استدل بهذه الأحاديث القائلون بوجوب الانتظار إلى أن يبرأ الجرح ويندمل ثم يقتص المجروح بعد ذلك، وبه قال أبو حنيفة ومالك والمذهب عندنا أنه مندوب إليه فقط دليلنا حديث محمد بن طلحة الذي سقنا طرقة آنفا، وهو يدل بمفهومه من تمكينه صلى الله عليه وسلم الرجل المطعون بالقرن قبل البرء.
واستدل القائلون بالوجوب بحديث " اصبروا حتى يسفر الجرح " عندما طعن رجل حسان بن ثابت فاجتمعت الأنصار ليأخذ لهم النبي صلى الله عليه وسلم القصاص، فقال انتظروا حتى يبرأ صاحبكم ثم أقتص لكم، فبرئ حسان ثم عفا قال العلامة الشوكاني: وهذا الحديث إن صح فحديث عمرو بن شعيب قرينة لصرفه عن معناه الحقيقي إلى معناه المجازي، كما أنه قرينة لصرف النهى المذكور في حديث جابر إلى الكراهة.
وأما ما قيل من أن ظهور مفسدة التعجيل للنبي صلى الله عليه وسلم قرينة أن أمره الأنصار بالانتظار للوجوب، لان دفع المفاسد واجب، كما قال في ضوء النهار، فيجاب عنه بأن محل الحجة هو إذنه صلى الله عليه وسلم بالاقتصاص قبل الاندمال، وهو لا يأذن إلا بما كان جائزا، وظهور المفسدة غير قادح في الجواز المذكور، وليس ظاهرها بكلي ولا أكثري حتى تكون معلومة عند الاقتصاص قبل الاندمال، لان لفظ " ثم " يقتضى الترتيب، فيكون النهى الواقع بعدها ناسخا للاذن الواقع قبلها اه.
إذا ثبت هذا فإنه إذا قطع طرفه وأراد المجني عليه أن يقتص فالمستحب له أن لا يقتص حتى تستقر الجناية بالاندمال أو السراية إلى النفس، فإن عفا عن القود وطلب الأرش قبل الاستقرار فهل يعطى الأرش؟ فيه قولان. أحدهما يعطى كما يجوز له استيفاء القصاص. والثاني لا يعطى لان الأرش لا يستقر قبل الاندمال لأنه ربما سرى إلى النفس فدخل في ديتها أو يشارك غيره في الجناية فمات من الجميع، فإذا قلنا يعطى قبل الاندمال فكم يعطي؟ فيه وجهان