وإن سرت إلى النفس كاللواط (والثاني) يجوز له الاقتصاص به لقوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " ولقوله تعالى " والجروح قصاص " ولأنها جراحة يجوز لها قتل المشرك فجاز استيفاء القصاص بها كالقتل بالسيف، فعلى هذا إذا فعل به مثل ما فعل به فلم يمت قتله بالسيف لأنه قد فعل به مثل ما فعل به، ولم يبق إلا إزهاق الروح فكان بالسيف (فرع) إذا أوضحه بالضرب بالسيف أو بالرمي بالحجر لم يوضحه بضرب السيف ولا بالرمي بالحجر، بل يوضحه بحديدة ماضية بعد أن يضبط الجاني، لأنه يستوفى منه أكثر مما جناه.
(مسألة) إذا جنى عليه جناية ذهب بها ضوء العين نظرت فإن كانت جناية لا يجب فيه القصاص كالهاشمة والمنقلة لم يقتص منه بالهاشمة والمنقلة لأنه لا يجب فيها القصاص، ولكن يذهب ضوء العين بكافور يطرح في العين أو بأدناء حديدة حامية إليها، لان ذلك أسهل ما يمكن، ولا يقلع الحدقة لأنه لم يقلع حدقته، وإن كانت جناية يجب فيها القصاص كالموضحة اقتص منه في الموضحة، فإن ذهب ضوء العين فقد استوفى حقه، وإن لم يذهب الضوء عولج الضوء بما يذهبه بالكافور أو بإدناء الحديدة الحامية من العين على ما مضى وإن لطمه فأذهب ضوء عينيه فهل له أن يلطمه؟ اختلف أصحابنا فيها فقال الشيخ الإمام أبو إسحاق الأسفراييني (1) ليس له أن يلطمه، وإنما يعالج إذهاب الضوء بما ذكرناه لما روى يحيى بن جعدة أن أعرابيا قدم بجلوبة (وهو ما يحلب للبيع من بعيد وضبطها بعض الفقهاء بحلوبة) له إلى المدينة فساومه فيها مولى لعثمان فنازعه فلطمه فقأ عينه، فقال له عثمان هل لك أن أضعف لك الدية وتعفو؟
فأبى فرفعهما إلى علي فقضى بما حكاه المصنف. وقد كانت المرايا تصنع من الحديد المصقول يتراءى فيه الانسان وجهه، ولان اللطم لا يمكن اعتبار المماثلة فيه.