والذي أعتقده أن سر المشكلة فيها يكمن في أمرين:
1 - أن النقود في العصر الإسلامي الأول التي جاء ذكرها في الأحاديث، ألغي التداول بها من أقدم العصور الاسلامية، وبعضها الغي منها حتى أسماؤها ومصطلحاتها، فبقيت تاريخا محاطا بكثير من الشك والغموض، ولم نعد نفهم حق الفهم تلك المصطلحات كما كان يفهمها من خوطب بها في الأحاديث عنها في تلك العصور، كالدرهم البغلي الذي جاء ذكره في أحاديث مقدار المعفو عنه من الدم في الصلاة، وغيره كثير.
2 - ان تلك النقود - حتى في العصر الاسلامي الأول - كانت مختلفة كل الاختلاف في مقاديرها من ناحية المساحة، والحجم، والوزن، والقيمة. وكل واحدة من هذه النواحي موضع تعلق لحكم من الاحكام المختلفة. وهذا ما يقضي علينا أن نضبطها ضبطا دقيقا يزيل التردد فيها والشك حد الامكان.
* * * والفقهاء - رضوان الله عليهم - لم يألوا جهدا في بحث هذه النواحي وغيرها، ولهم آراء مختلفة فيها وتوجيهات متعددة، ولكن لا تزال هذه الأبحاث مبعثرة في غصون الكتب الفقهية، متشتة في جميع أبواب الفقه، غير منقحة التنقيح الكافي الذي يركن إليه.
فكان - والحال هذه - مما يعسر جدا على الفقيه الباحث الذي يريد أن يلم بجميع أطراف هذه الموضوعات ان يتيسر له الرجوع إلى جميع ما كتب عنها واستيفاء البحث عنها، لأن هذا ما يتطلب جهدا مضنيا، ووقتا طويلا، وفراغا واسعا لا يعرف مداه إلا من ابتلى بهذه المسائل وتحراها للعثور على مظان البحث عنها في مواضعها المتفرقة في الكتب الفقهية الاستدلالية غير المفهرسة ولا المعنونة، ولا المرقمة، لا سيما المطبوعة على الحجر.
ولو شك أن يتيسر هذه الموضوعات بجمع متفرقاتها في كتاب واحد من أهم ما ينبغي ان يعني به الباحثون، وهو ما يسد فراغا كبيرا في كتبنا الفقهية.