أن التشخص بالوجود (1)، فعلمنا بذاتنا إنما هو بحضورها لنا بوجودها الخارجي الذي هو عين وجودنا الشخصي المترتب عليه الآثار.
وأيضا لو كان الحاضر لذواتنا عند علمنا بها هو ماهية ذواتنا دون وجودها والحال أن لوجودنا ماهية قائمة به، كان لوجود واحد ماهيتان موجودتان به، وهو اجتماع المثلين، وهو محال. فإذن علمنا بذواتنا بحضورها لنا وعدم غيبتها عنا بوجودها الخارجي لا بماهيتها فقط. وهذا قسم آخر من العلم، ويسمى: (العلم الحضوري).
وانقسام العلم إلى القسمين قسمة حاصرة، فحضور المعلوم للعالم إما بماهيته وهو العلم الحصولي، أو بوجوده وهو العلم الحضوري.
هذا ما يؤدي إليه النظر البدوي من انقسام العلم إلى الحصولي والحضوري، والذي يهدي إليه النظر العميق أن الحصولي منه أيضا ينتهي إلى علم حضوري.
بيان ذلك: أن الصورة العلمية - كيفما فرضت - مجردة من المادة عارية من القوة، وذلك (2) لوضوح أنها - بما أنها معلومة - فعلية لا قوة فيها لشئ البتة، فلو فرض أي تغير فيها كانت الصورة الجديدة مباينة للصورة المعلومة سابقا، ولو كانت الصورة العلمية مادية لم تأب التغير.
وأيضا لو كانت مادية لم تفقد خواص المادة اللازمة وهي الانقسام والزمان والمكان. فالعلم - بما أنه علم - لا يقبل النصف والثلث مثلا، ولو كان منطبعا في مادة جسمانية لا نقسم بانقسامها. ولا يتقيد بزمان ولو كان ماديا، وكل مادي متحرك لتغير بتغير الزمان. ولا يشار إليه في مكان ولو كان ماديا حل في مكان.