المعلول، وحقيقته الضرورة واللزوم وعدم الانفكاك، فوراء المادة أمر لا محالة يستند إليه وجوب المعلول ووجوده، وهو العلة الفاعلية المفيضة لوجود المعلول.
وثالثا: أن المادة ذات طبيعة واحدة لا تؤثر إن أثرت إلا أثرا واحدا متشابها، وقد سلموا ذلك، ولازمه رجوع ما للأشياء من الاختلاف إلى ما للمادة من صفة الوحدة ذاتا وصفة، وهو كون كل شئ عين كل شئ، وضرورة العقل تبطله.
وأما العلة الصورية، فهي: الصورة - بمعنى ما به الشئ هو ما هو بالفعل - بالنسبة إلى الشئ المركب منها ومن المادة، لضرورة أن للمركب توقفا عليها. وأما الصورة بالنسبة إلى المادة فليست علة صورية لها، لعدم كون المادة مركبة منها ومن غيرها مفتقرة إليها في ذاتها، بل هي محتاجة إليها في تحصلها الخارج من ذاتها، ولذا كانت الصورة شريكة العلة بالنسبة إليها ومحصلة لها كما تقدم بيانه (1).
واعلم أن الصورة المحصلة للمادة ربما كانت جزءا من المادة بالنسبة إلى صورة لاحقة، ولذا ينتسب ما كان لها من الأفعال والآثار - نظرا إلى كونها صورة محصلة للمادة - إلى الصورة التي صارت جزءا من المادة بالنسبة إليها، كالنبات مثلا، فإن الصورة النباتية صورة محصلة للمادة الثانية التي هي الجسم، لها آثار فعلية هي آثار الجسمية والنباتية. ثم إذا لحقت به صورة الحيوان كانت الصورة النباتية جزءا من مادتها وملكت الصورة الحيوانية ما كان لها من الأفعال والآثار الخاصة. وهكذا كلما لحقت بالمركب صورة جديدة عادت الصور السابقة عليها أجزاء من المادة الثانية وملكت الصورة الجديدة ما كان للصور السابقة من الأفعال والآثار، وقد تقدم أن الصورة الأخيرة تمام حقيقة النوع (2).
واعلم أيضا أن التركيب بين المادة والصورة ليس بإنضمامي كما ينسب إلى الجمهور (3)، بل تركيب إتحادي كما يقضي به اجتماع المبهم والمحصل، والقوة