وهم يتوسلون توسل الغريق بالحشيش، ويحاولون لبلوغ مأربهم والنزعة للتجرد من كل قيد تفرضه الأنظمة الاجتماعية والسلطات الحاكمة والمذاهب والأديان للعودة القهقرى، دون أن يأتوا بالأدلة القانعة الطبيعية وتوجيه العلل النافية للحقائق القائمة على الخلقة والوجود، إذ لكل معلول علة، ولكل مصنوع صانع، وكل الآثار قائمة والبراهين ساطعة على ما نجده من أسرار الكون العميقة، وأنظمته الحكيمة، وقوانين الطبيعة الحاكمة، والآثار الجمة في كل ناحية، وفي كل كبيرة وصغيرة، من حيوان ونبات وجماد، بل بالنفس الإنسانية، وعقله وإرادته، ومختلف غرائزه.
مصادر الحياة كلها تبرهن على وجود صانع حكيم مبدع عليم كامل الذات والصفات، وذلك الكمال الذي لا ينسب له نقص، فهو الخالق المصور القادر، المسيطر الأزلي الأبدي الصمد، آثاره واضحة، ومعالمه على كونه صادحة، لا تدركه العقول المحدودة، فهي عاجزة عن الوصول إلى كنه دقيقة من دقائقه، وجوهرة من حقائقه، وكيف يستطيع ناقص في علمه، وناقص في حسه، وفي قدرته ناقص، محدود مكانا وزمانا، ناقص في جلب الخير ودفع الشر عن نفسه، جاهل، ضعيف، فقير، لا يعرف سر حياته ومماته، يجهل خبايا وأسرار ذاته ونفسه، فكيف يستطيع الوقوف على مبدع دقائق الكون وأسراره؟!
ومتى أدرك هذا الإنسان نواقص علمه متى أقر ووقف على جهله ونقصه، وعجزه أمام الخوارق، أمام عظمة الخلقة، وصم فاه؟!
الحياة المنسقة في الكون - في كل جزء من أجزائه ومخلوقاته - تدل على عظمة الموجد المبدع، وعلمه وحكمته وإتقانه، وإرادته وقدرته، وإحاطته وكماله، خذ ما شئت، ولا تذهب بعيدا، وابدأ بنفسك أيها الإنسان، وتأمل في كل جزء من