ملحمة في مأدبة هذه ملحمة، بل ربما كانت ملاحم، فيها وصف لمدعوين إلى مأدبة، وما يحمله كل واحد من صفات خلقية في الحس والشعور، من محاسن ومساوئ، واختلاف الأذواق والطباع، والأزياء في مختلف البقاع والأصقاع، من أبكم ناقص، وحكيم فاحص، أو مزدر يعيب ما يراه بعين ساخرة، وبسمة ماكرة، ومتشائم حائر في أمره، غارق في فكره، أو جاهل مركب، اعتد بنفسه، وشمخ بأنفه، أو متلصص ذليل، أو متفائل بالحياة يحسب من يراه خليلا، أو أحمق أزرى بالعدو والصديق، فعادت دنياه برحبها عليه مضيقا، أو جشع أصناه جشعه، وأرهقه طمعه، عيناه تدوران، ويداه تخوران.
ثم يصف الجدال والحوار والخصام والنزاع في مجموعات أخرى، لاختلاف العقائد، وتباين الأذواق، وتنوع الأخلاق.
هذا كله قبل استقبال الطعام والجلوس إلى المأدبة، وهناك على المأدبة، وملتقى الأضداد، وتزاحم الأعداد، بعد انتظار طال أمده، وجائع خار جلده، الساعة المرموقة بدت بزيها البهي، والسماط صف عليه كل طعام شهي، هناك عند البطون الجائعة، عميت العيون المطالعة، وقد تنوعت نفائسها، وأخذت بالعيون والأنوف، وامتدت الأيدي بالكفوف، واصطكت الملاعق بالصحون ضاربة، والأضراس بالأكل صاخبة، تصم الآذان، وتبلد الأذهان، فكأنها مباراة للآكلين، ومنافسة عليها عاكفين.