في لوزان في أواخر سنة 1939 قبل زواجي بسنة، سافرت من العراق أريد سويسرا للدراسة، وما كدت أصل إلى بيروت حتى أعلنت الإذاعات بدء الحرب العالمية الثانية، ورغم ذلك تابعت السفر من بيروت بالباخرة إلى بلدة مرسيليا جنوب فرنسا، ومنها بالقطار إلى مدينة لوزان الجميلة في سويسرا.
وقد جلب نظري سمو أخلاق أهلها، وجمال الطبيعة، والاعتناء الفائق بالنظافة والصحة، والتقدم العمراني والاجتماعي وغيرها، وكنت في الشرق متذمرا من الحشرات المؤذية، أخص منها الذباب والبق الحرمس والبرغوث، ويضاف في سوريا ولبنان البأ (البق) السوري واللبناني وغيرها من الحشرات المزعجة. وحين بقائي في غرفتي التي استأجرتها في سويسرا (البانسيون) لمدة شهر، لم أعثر على حشرة واحدة، حتى كنت أتحراها في الأماكن التي تكثر فيها في الشرق عادة، مثل محلات بائعي الألبان واللحوم والسمك وغيرها، فلم أجد ذبابة، فكان هذا موضع دهشتي.
وبعد بضعة أشهر دعاني شاب شرقي لغرفته في الساعة الثامنة صباحا، فحضرت في اللحظة الموعودة، فكان يحتفظ بكل مزاياه ومآثره، فهو عوض أن يهيئ نفسه لاستقبال ضيفه بالوقت الموعود - كما يفعله أهل سويسرا، بالنهوض قبل الأوان، ويرتب غرفته ونفسه ويستحم، ويهيئ ما يلزم - كان لا يزال نائما، وغرفته مبعثرة قذرة تعط منها رائحة صنان بدنه وثيابه المبعثرة في أركان الغرفة ووسطها عند فتح باب غرفته. وبعد الطرق على الباب مرات عديدة فتح الباب،