أجزاء بدنك المنسق من الناحية المادية والروحية، ولا شك أنك كلما أحطت بجزء وسر من أسرار هذا البدن العظيم، ووقفت عليه مشدوها مندهشا لنظامه وترابطه، وعمله الدائب، وكل يوم يكشف لك مبهم مجهول، ويبدو لك سر مكنون، وهذا دأب الإنسان، وكلما انكشفت له واحدة زادته دهشة وتعمقا في الفكر، وعظم في نظره البارئ المصور، وصغر نفسا أمام الله هذا إلى عجزه الدائم عن الصمود للعوارض الجمة، المرضية والشيخوخة، والحياة والممات.
يا للإنسان من مخلوق غر ضعيف فقير جاهل، حتى ليظن وقد ولد له من زوجته ولد أنه هو الذي صنعه وكونه، وهو الجاهل بما يحويه هذا الناشئ الجديد من الأسرار، وما يحمله من السلالات الإرثية المادية والمعنوية، وهو العاجز عن حفظه حيا صحيحا، ويمنعه من العوارض، ويقيه من الأخطار التي تداهمه من قريب وبعيد، بل العاجز من أن يرد عنه عادية تلك الجرثومة التي هي أدق من أن ترى لصغرها ولو كبرتها العشرات بل المئات وألوف المرات، وذلك الدليل القاطع على عجزه للدفاع عن نفسه. وهل لهذا المغرور أن يتساءل ويجيب نفسه حينما يقول: أنا خلقت ولدي وأولدته؟! فمن أولد ابن الحمار وابن الثور والبهائم والحشرات والنباتات والطفيليات وغيرها، أآباؤها أم أمهاتها؟!
ومن خلق وأبدع عناصر جسمك وذرات، وجواهر هذه الذرات ومن وضع فيها القوى المتناسبة والمتناسقة وصيرها من بروتونات والكترونات، وجعلها تدور حول بعضها متناسبة متناسقة ذات أنظمة لا تحول، أأنت أوجدت ذلك؟!
وهل هي أوجدت نفسها كما أوجدت ابنك، وأنت وضعت تلك الأسرار والألغاز والتناسب، والتناسق والقواعد، والحل والربط، والمادة والروح فيها؟! ومن أين جاءت؟! ومن جاء بها؟! وإلى أين؟! وحتى متى؟ وما هو أصل المادة؟! وما هو