ليلة ساهرة ما كادت تنتهي الدراسة إلا ووزعت علينا بطاقات لدعوة ساهرة على شاطئ دجلة في (هتيل متروپول)، وكنت طيلة بقائي في بغداد يحفزني بعض الأصدقاء لمثل ذلك، فاقنع نفسي بالمواظبة على دراستي، والآن هي فرصة سانحة جمعتنا للغناء والرقص والأكل والشرب، وتعمها الخمرة، وكنت الوحيد الواقف على جميع ما يجري، لأني الوحيد بينهم لم تتغلب علي الخمرة التي أنا مقتنع بضررها، حتى جاءني صديقي المار ذكره وهو في نشوة الخمرة، وقال: أنت الوحيد الذي لم تتغلب على عقله الخمرة، والوحيد الواقف على الحقائق. ولم أجد من المنطق أن أقر انتقاده في تلك اللحظة، إذ هي حقيقة، فالجميع لعبت بعقولهم ونفوسهم الخمرة بما تحمله من أضرار.
وبعد أن وجدته قد صحى من أثر الخمرة سألته: ما قولك بالجمع الذي احتفل به جمعنا الغابر.
فتبسم تبسم المستنكر وقال: إن من نشاهده حول الخمرة من جمع فالحقيقة أن أجسادهم مجتمعة، وقلوبهم شتى، لا يأمن أحدهم على الآخر. فشكرت الله على تجنبي لها طيلة حياتي، مع ما أتصوره فيها من الدمار في حياتي الاقتصادية والاجتماعية والأدبية والصحية.
ثم أعين في لواء كربلاء، وأعين فيها مديرا للمستشفى، وبعد سنة أرسل لمكافحة الأمراض، أخص الملاريا، وبها بقى شهرا وخمسة أيام بعين تمر،