الحياة الإنسانية وخفاياها، هو هاجس الخليلي الذي لا يفارقه حتى وهو ينتقل إلى ميدان الشعر، فيتناوله في العربية من قصائده، وهو يمعن في نقد المجتمعات وسلوكياتها المنحرفة، وتكاد تشعر أنه يقترب من آفاق فلسفة التصوف وهو يبحث عن راحة للطمأنينة تذوب فيها عوامل القلق المتراكمة في مسيرة الحياة.
وحين يدرك في نهاية المطاف عجزه عن توفير الحلول البشرية لمشروعه، فإنه يلتمس الراحة النفسية في مناجاته الروحية، والاغتراف من نبع الإيمان العميق في داخله بسبحاته الخاشعة، ودعواته الصادقة الضارعة.
لقد ولد الخليلي في بيئة نجفية محافظة، وأمضى شطرا هاما من حياته فيها.
إن النجف الأشرف - بحكم موقعها الجغرافي الحالي - ليست إلا مدينة رملية مالحة جرداء، ترقد في أحضان الصحراء حيث لا عشب ولا شجر ولا ماء، فهي تتصل غربا بصحراء الحجاز، وتفصلها عن الريف العراقي على ضفاف الفرات مساحات شاسعة.
وقد تركت جغرافية الموقع أثرها على نفسية المجتمع النجفي عموما، وعلى شعرائه خصوصا، حيث يلذ لهم الهروب منها إلى الشواطئ البعيدة والبساتين المطلة على أرض الكوفة وشاطئ الفرات، ترويحا للنفس، وابتعادا عن الجو الصحراوي الخانق، حيث يطيب للشعراء الاستمتاع بالرياض وشقائق النعمان.
ويبدع شاعرنا في تصوير الطبيعة والبحث عن خفاياها، حتى تكاد تشم عبير الأزهار في قوافيه، ورائحة المطر والشجر في قصائده، وتسمع تغريد الطيور وخرير المياه في موسيقى أشعاره، فلا غرو أن تكون قصيدة " زهرة " هي أولى منظومات الخليلي في صباه، لتعكس عشقه للطبيعة وهيامه الشديد بها. وهو يتجول على الشواطئ البعيدة، ويمتع حواسه بمفاتنها، فهي تملك عليه كل حواسه